فتحت قوى الأمن الداخلي في محافظة حماة تحقيقًا رسميًا بحق عدد من عناصر الشرطة، على خلفية ارتكابهم تجاوزات مسلكية أثناء تدخلهم لفض اشتباك عائلي مسلح في حي الضاهرية، في حادثة أثارت جدلًا واسعًا بين السكان على خلفية ما اعتُبر "استخدامًا مفرطًا للقوة".
وأكدت الجهات الأمنية أن التحقيقات جارية لمحاسبة أي عنصر ثبت تجاوزه لصلاحياته أو خالف التعليمات خلال تنفيذ المهمة، في خطوة تشير إلى التزام واضح بمبدأ الشفافية والمساءلة ضمن المؤسسة الأمنية.
اشتباك مسلح في حي الضاهرية
بدأت الحادثة عندما نشب خلاف عائلي تطور إلى اشتباك مسلح بين طرفين من سكان حي الضاهرية، ما أسفر عن إصابة عدد من الأشخاص من كلا الجانبين. وفور ورود البلاغ، توجهت دورية تابعة لقوى الأمن الداخلي إلى المكان لاحتواء الموقف، وتمكنت من السيطرة على الوضع وفض الاشتباك.
غير أن تدخل الدورية الأمنية لم يخلُ من الأخطاء، حيث وردت شكاوى من سكان الحي تتعلق بتصرفات "غير مهنية" من بعض العناصر، وسط اتهامات باستخدام العنف المفرط أثناء اعتقال عدد من الأشخاص، ما دفع قيادة الأمن إلى توقيف الدورية وفتح تحقيق مسلكي فوري بحق المتورطين.
التزام بالمحاسبة ومراعاة حقوق المواطنين
أكد قائد قوى الأمن في المحافظة أن أي تجاوز للقانون لن يمر دون محاسبة، وأن الهدف من التدخل الأمني في مثل هذه الحالات هو حفظ الأمن وضمان سلامة المواطنين، لا التعدي على حقوقهم أو المساس بكرامتهم.
وشدد على أن "الحفاظ على هيبة الدولة لا يعني التعدي على القانون أو تجاوزه"، مؤكدًا أن المؤسسة الأمنية ملتزمة بتطبيق الأنظمة الداخلية ومساءلة كل عنصر يثبت تقصيره أو تجاوزه في أداء المهام.
وأشار إلى أن المصابين في الحادثة تلقوا العلاج اللازم، وتم التحفّظ عليهم لتحويلهم إلى الجهات المختصة، حيث يُستكمل التحقيق في ملابسات الاشتباك من جميع جوانبه، مع التأكيد على تطبيق العدالة على جميع الأطراف دون استثناء.
خطة لضبط أداء العناصر على الأرض
في السياق ذاته، يجري العمل داخل المؤسسات الأمنية على خطة تنظيمية رقابية جديدة تهدف إلى الحد من التجاوزات والانتهاكات الفردية أثناء أداء المهام، وتشمل هذه الخطة مجموعة من الإجراءات التقنية والرقابية لضمان الالتزام بالضوابط.
من بين أبرز المقترحات، تخصيص رقم تعريفي فريد لكل عنصر شرطة، ليكون بالإمكان تتبعه ومحاسبته عند ورود أي شكوى بحقه. كما تشمل الخطة أيضًا تزويد كل عنصر بدورية أمنية بكاميرا مثبتة على الجسم (Body Cam)، توثق كل ما يجري خلال تنفيذ المهام، بحيث تُعتمد لاحقًا كدليل حاسم في حال حصول تجاوزات أو ادعاءات كاذبة.
وتأمل الجهات المسؤولة أن تُسهم هذه الإجراءات في رفع كفاءة الأداء الأمني وتعزيز ثقة المواطنين بجهاز الشرطة، خصوصًا في المناطق التي شهدت توترات سابقة أو شكاوى متكررة من تعامل العناصر الأمنية.
الحاجة إلى تدريب احترافي
أحد أبرز التحديات التي تواجه الأجهزة الأمنية في هذه المرحلة هو النقص في عدد العناصر المدرّبين تدريبًا كافيًا، حيث اضطرت بعض الإدارات إلى تسريع تخريج دفعات جديدة من العناصر خلال فترات قصيرة جدًا لا تتجاوز 15 يومًا، وهو ما يخلق فجوة في المهارات العملية والانضباط.
وتشير التقديرات إلى أن هذه الخطوة كانت اضطرارية لسد فراغ أمني في بعض المناطق، لكنها تستوجب معالجة فورية عبر برامج تدريب إضافية صارمة، لضمان ألا يتحول قلة التدريب إلى باب مفتوح للتجاوزات والانتهاكات.
بين حفظ الأمن واحترام القانون
تُعيد هذه الحادثة الجدل المتجدد حول العلاقة بين المواطنين والمؤسسة الأمنية، وأهمية الموازنة بين حفظ الأمن واحترام القانون. ففي الوقت الذي تواجه فيه البلاد تحديات أمنية معقّدة، تبرز الحاجة إلى ترسيخ ثقافة الانضباط داخل الأجهزة الأمنية، ومساءلة كل من يخرج عن الإطار القانوني في تعامله مع المواطنين.
ويرى مراقبون أن ما حصل في حماة قد يكون نقطة تحوّل إذا ما تم استثماره بالشكل الصحيح، من خلال تحقيق شفاف ومحاسبة عادلة، ورسالة واضحة لكل من تسوّل له نفسه استخدام السلطة خارج الإطار القانوني.
ويبقى التحدي الأكبر في ضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث، عبر تطوير بنية الرقابة الداخلية، وإشراك المجتمع المحلي في دعم دور الشرطة، بما يحقق التوازن بين سيادة الدولة وكرامة المواطن.