أصدرت جماعة "الإخوان المسلمون" في سوريا بيانًا رسميًا خلال اجتماعها الرابع لمجلس الشورى، حيث أكدت على رؤيتها في بناء دولة مدنية حديثة تستند إلى مرجعية إسلامية، تجمع بين الهوية الوطنية السورية والقيم الإسلامية الوسطية. وقد تضمن البيان العديد من النقاط الجوهرية التي تعكس توجهات الجماعة ومواقفها من الأوضاع الراهنة في سوريا.
رؤية الجماعة للدولة السورية
ترى جماعة الإخوان المسلمين أن بناء الدولة السورية المستقبلية يجب أن يقوم على مبادئ العدالة الانتقالية والسلم الأهلي، مع إشراك جميع المكونات الوطنية في عملية البناء السياسي، بما يشمل برنامجًا تعدديًا قائمًا على انتخابات نيابية حرة ونزيهة. وتؤكد الجماعة على أن هذا النهج هو السبيل الوحيد لتحقيق استقرار دائم في البلاد، مشددة على أن التغيير يجب أن يكون شاملاً ومتوازناً، ويرفضون بشدة أي سياسة تغيير ديموغرافي تقوض وحدة المجتمع السوري.
وتعكس هذه الرؤية حرص الجماعة على وحدة البلاد، حيث شدد البيان على رفض كل أشكال الانفصال أو التقسيم، كما أدان بشدة أي مشاريع انفصالية تدعمها جهات خارجية، خصوصًا إسرائيل، مع تحذير واضح من الدور الإيراني في دعم فلول النظام السابق وتأجيج الأزمات في سوريا.
تعزيز العيش المشترك ونبذ الطائفية
واحدة من الركائز الأساسية في بيان الإخوان هي التأكيد على ضرورة تبني خطاب العيش المشترك بين السوريين كافة، والعمل على تجاوز الانقسامات الطائفية والمناطقية التي عمّقت الأزمة السورية طوال سنوات الحرب. وأكدت الجماعة على أهمية إعادة بناء جسور الثقة بين مكونات المجتمع السوري كافة، والقطع مع ثقافة العنف والتأجيج الطائفي، والعمل على ترسيخ ثقافة سلم أهلي واجتماعي تحمي البلاد من التدخلات الخارجية.
وقد أقر مجلس الشورى وثيقة خاصة تحدد مبادئ العيش المشترك التي يرى الإخوان أنها تناسب خصوصية المجتمع السوري وتتماشى مع تاريخه وقيمه الأصيلة، ما يعكس رغبة الجماعة في تقديم نموذج يُمكن أن يكون أساسًا لإعادة توحيد البلاد تحت مظلة الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية.
خلفية الجماعة في سوريا
جماعة الإخوان المسلمين في سوريا هي من أقدم الحركات الإسلامية السياسية التي نشأت في البلاد منذ الأربعينيات من القرن الماضي، وارتبطت تاريخياً بمشروع سياسي إسلامي معتدل يسعى إلى إصلاح النظام السياسي والاجتماعي وفق الشريعة الإسلامية ضمن إطار ديمقراطي. عانت الجماعة كثيرًا من القمع والاضطهاد خاصة خلال حكم حزب البعث، حيث تم تصنيفها كخصم سياسي، ما أدى إلى تراجع نشاطها في سوريا وتشتت قياداتها بين الداخل والخارج.
مع اندلاع الثورة السورية في 2011، برزت الجماعة مرة أخرى كأحد القوى المعارضة التي تدعو إلى تغيير سياسي شامل يقوم على الحرية والعدالة، مع تمسكها بالمرجعية الإسلامية الوسطية. ومع مرور الوقت، حاولت الجماعة موازنة دورها السياسي بين العمل السلمي والمشاركة في الفعاليات السياسية، رغم بعض الاتهامات التي وُجهت إليها بتبني مواقف متشددة من أطراف أخرى في المعارضة.
وتسعى جماعة الإخوان المسلمين اليوم إلى تقديم نفسها كقوة وسطية تجمع بين الطموحات الوطنية والدينية، في محاولة لإعادة بناء نفوذها السياسي في سوريا بعد سنوات من التهميش والاضطهاد. موقفها الداعم لبناء دولة مدنية مع مرجعية إسلامية يضعها في موقع مميز وسط الفوضى السياسية التي تعيشها البلاد، حيث تحاول استقطاب الشرائح الاجتماعية التي ترغب في استقرار سياسي يحترم قيمهم الدينية دون الانزلاق في الصراعات الطائفية.
إن إصرار الجماعة على وحدة سوريا ورفضها للانفصال والتقسيم يعكس وعيًا بعمق الأزمة التي تعاني منها البلاد، ويحاول تقديم رؤية سياسية توازن بين الهوية الوطنية والدينية، بعيدًا عن الخطابات المتطرفة. هذه الرؤية إذا ما حظيت بدعم شعبي وسياسي أوسع، قد تمثل خيارًا وسطًا يمكن أن يساهم في إعادة ترميم نسيج المجتمع السوري.
جماعة الإخوان المسلمين في سوريا تعيد تعريف نفسها في ظل المشهد السياسي المتغير، محاولين بناء مشروع سياسي يجمع بين الدولة المدنية والمرجعية الإسلامية، ويرفض التغييرات الديموغرافية والانفصالية. رغم العقبات الكبيرة التي تواجهها، تظل الجماعة طرفًا مهمًا في المعادلة السورية، وما زالت رؤيتها وأفكارها تشكل جزءًا من الحوار السياسي المستقبلي الذي قد يحدد شكل سوريا القادمة.