بعد سقوط النظام، واجه طلاب الجامعات في إدلب واقعًا قاسيًا لم يكونوا يتوقعونه. بدلاً من أن تستفيد الأجيال الجديدة من فرصة التعليم بحرية وتسهيلات، اصطدموا بارتفاع غير مسبوق في رسوم الجامعات وتراجع فرص العمل، ما وضع الكثير منهم تحت ضغط مالي ونفسي كبير.
في إدلب، تفرض معظم الجامعات، سواء الحكومية أو الخاصة، رسومًا عالية تتجاوز قدرة الطلاب وأسرهم، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة. تصل الأقساط في بعض التخصصات إلى مبالغ كبيرة، تفوق دخل الكثير من العائلات. ويزداد الوضع تعقيدًا مع غياب دعم مالي حقيقي أو منح دراسية كافية، مما يترك الطلاب بين خيارين صعبين: إما التوقف عن الدراسة أو الدخول في ديون طويلة الأمد تثقل كاهلهم.
تتراوح رسوم الجامعات العامة بين 150 دولارًا للفروع الأدبية و500 إلى 1500 دولار للفروع الطبية، وهو مبلغ كبير في ظل تدني الدخل وتدهور الاقتصاد المحلي. وبعد التخرج، لا تقل المعاناة؛ إذ تتقلص فرص العمل بسبب غياب المشاريع الاقتصادية وتوقف دعم المنظمات للبرامج الوظيفية، ما يدفع العديد من الخريجين للعمل في مجالات بعيدة عن تخصصاتهم أو الهجرة بحثًا عن فرص أفضل، ما يفاقم مشكلة هجرة العقول ويعرقل التنمية في المنطقة.
رغم صدور عدة قرارات من الجهات المسؤولة تهدف إلى تخفيف العبء المالي على الطلاب، مثل تخفيض الأقساط بنسبة 30% للطلاب المتضررين، وتوسيع برامج المنح الدراسية، وتسهيل تقسيط الرسوم، إلا أن هذه الإجراءات لم تُنفذ بشكل فعلي على الأرض. الكثير من الطلاب يشتكون من تجاهل الجامعات لتلك التوجيهات، أو من ضعف الرقابة وغياب التمويل الكافي، مما يجعل الوعود مجرد شعارات بلا تأثير حقيقي.
الطلاب يعبرون عن واقعهم المؤلم؛ فبعضهم اضطر لوقف الدراسة لفترات بسبب عدم القدرة على الدفع، والبعض الآخر دفع أثمانًا باهظة مثل بيع مقتنيات عائلية فقط ليتمكن من تسديد الأقساط. وبعد التخرج، يواجهون واقعًا مريرًا من البطالة وقلة فرص التدريب، ما يشعرهم أن جهدهم ووقتهم ذهب سدى.
اليوم، يقف طلاب إدلب أمام مفترق طرق بين حلم التعليم الجامعي كحق أساسي لهم، والضغوط الاقتصادية التي تحاصرهم. رغم وجود الخطط والقرارات، يبقى غياب التطبيق الحقيقي والإرادة اللازمة حجر عثرة أمام تحسين وضعهم. التعليم الجامعي لا يجب أن يكون امتيازًا لأقلية، بل حقًا لجميع الطلاب، وأي تأخير في تحقيق ذلك يعني خسارة لمستقبل المنطقة بأكملها.