تُعد الأزمة السورية من أعقد الصراعات المعاصرة، حيث بدأت في عام 2011 احتجاجات شعبية، لتتحول سريعًا إلى حرب أهلية شاملة بعد انهيار مؤسسات الدولة المركزية وسقوط نظام بشار الأسد.
هذا الفراغ السياسي والأمني فتح الباب أمام صراع نفوذ واسع بين عشرات الفصائل المحلية المسلحة، وتدخلات إقليمية ودولية متعددة الأطراف، مما قد أدى إلى تشرذم البلاد جغرافيًا وسياسيًا.
فمن جهة، تدخلت قوى إقليمية مثل إيران وتركيا، كلٌ لدعم أطراف مختلفة، بينما كانت القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا تتصارع على النفوذ، ما جعل سوريا ساحة لتصفية الحسابات الجيوسياسية. وفي الوقت نفسه، تصاعد الدور الإسرائيلي في الجنوب السوري، حيث كثفت إسرائيل من ضرباتها الجوية بذريعة منع تهريب السلاح إلى «حزب الله» اللبناني، ما زاد من تعقيد المشهد الأمني في المنطقة.
تصاعد العنف في السويداء ونداءات مجلس الأمن
في هذا السياق المتأزم، شهدت محافظة السويداء مؤخرًا تصعيدًا عنيفًا، وذلك منذ 12 يوليو الماضي، الأمر الذي دفع مجلس الأمن الدولي لإصدار تحذير شديد اللهجة. فقد أعرب المجلس عن "قلقه العميق" إزاء تصاعد العنف في المحافظة، وشدد على أن تدهور الوضع الإنساني والنزوح الجماعي الذي أدى إلى تشريد نحو 192 ألف شخص، قد يدفع المنطقة إلى حافة "انفجار شامل".
وأدان المجلس الهجمات التي استهدفت المدنيين، وطالب جميع الأطراف بوقف إطلاق النار فورًا، والالتزام بحماية المدنيين. كما دعا إلى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل، وحذر من أن الحصار ونقص الإمدادات الأساسية يفاقمان المعاناة.
اندلعت موجة العنف الحالية في السويداء نتيجة اشتباكات وعمليات انتقام متبادلة بين فصائل محلية (درزية وبدوية) عقب حوادث خطف واغتيالات. وتطورت هذه الاشتباكات سريعًا لتشمل استخدام أسلحة ثقيلة داخل مناطق مدنية. زادت التدخلات من القوات النظامية والمجموعات المسلحة المحلية من تعقيد الموقف، وسط تقارير عن انتهاكات في المستشفيات والمرافق المدنية.
تأتي هذه التطورات في الجنوب في ظل تصعيد إسرائيلي غير مسبوق في المنطقة، والذي تجلى في قصف إسرائيلي استهدف مواقع قرب درعا والقنيطرة، وتحليق مكثف للطائرات الحربية والمسيّرات، إضافة إلى عمليات إنزال محدودة لوحدات خاصة إسرائيلية.
هذه التحركات اعتبرتها مصادر دبلوماسية "تجاوزًا لإطار الردع الأمني"، وسط صمت دولي ودعم أمريكي.
تتفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة، حيث يعاني عشرات الآلاف من النازحين من نقص حاد في الغذاء والماء والدواء، وسط ضغط هائل على المدارس والمستشفيات.
وعلى الصعيد السياسي، يخشى دبلوماسيون من أن فشل السلطات المحلية في احتواء الأزمة سيقوّض الثقة بالانتقال السياسي ويضعف شرعية المؤسسات. كما أن هشاشة الوضع الأمني في الجنوب تفتح الباب أمام تموضع عناصر مرتبطة بإيران أو جماعات متطرفة، مما يهدد اتفاق فض الاشتباك مع إسرائيل لعام 1974، ويزيد من احتمالات "انفجار إقليمي".
وأخيرًا، يؤكد انفجار الوضع في السويداء أن الأزمة السورية تدخل مرحلة جديدة، لم تعد فيها مناطق محصنة من العنف. تداخل النزاعات المحلية مع الأجندات الإقليمية، وتصاعد الدور الإسرائيلي، يضع الملف السوري مجددًا على طاولة القوى الكبرى، لكن هذه المرة مع تعقيدات أكبر بكثير.