أثارت وفاة السجين السوري أسامة الجاعور داخل سجن روميه المركزي بلبنان موجة غضب محدودة بين النزلاء، لتكشف مرة أخرى هشاشة نظام السجون اللبناني وفشل السلطات في تقديم الرعاية الصحية الأساسية للسجناء، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها لبنان منذ 2019.
الجاعور، البالغ من العمر 46 عاماً، كان يقضي عقوبة السجن المؤبد بعد اعتقاله في العام 2013، بتهمة الانتماء إلى تنظيم "كتائب الفاروق" ومشاركته في معارك مدينة القصير ضد قوات النظام السوري و "حزب الله".
عقب سقوط المدينة، لجأ الجاعور إلى لبنان حيث تم توقيفه مع عدد من المقاتلين الآخرين واتهامهم بالانتماء إلى تنظيم إرهابي.
مصادر أمنية أكدت أن وفاة الجاعور جاءت نتيجة مرض عضال عانى منه منذ سنوات، رغم خضوعه للفحوصات الدورية ومتابعته من قبل طبيب السجن، ونقله إلى المستشفى أكثر من مرة، حيث يمكث لأيام ثم يعاد إلى زنزانته.
قبل عام تقريباً، تم نقل الجاعور من المبنى المخصص للموقوفين الإسلاميين إلى المبنى الاحترازي المخصص للسجناء الذين يعانون من اضطرابات عقلية، وذلك وفق مبرر أمني يتعلق بحماية النزلاء الآخرين ووضعه تحت رقابة دائمة. هذه الخطوة أثارت استياء بعض رفاقه في الزنزانة، لكنها لم تخرج عن نطاق السيطرة الأمنية.
حادثة الوفاة تعكس مأساة متكررة داخل السجون اللبنانية، التي تعاني من الاكتظاظ الشديد حيث تحتوي سجون روميه وغيرها من المؤسسات العقابية على ثلاثة أضعاف قدرتها الاستيعابية. هذا الاكتظاظ يأتي مع تراجع ملحوظ في الخدمات الطبية والاستشفائية، ونقص حاد في الأدوية، خصوصاً لأولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة ومستعصية. ويعزى هذا التدهور إلى الانهيار المالي والاقتصادي الذي ضرب لبنان منذ 2019، ما جعل من المستحيل على السجون تلبية الاحتياجات الأساسية للنزلاء.
اللافت أن وفاة الجاعور وقعت بعد ساعات قليلة من جلسة لمجلس الوزراء اللبناني الذي لم يتمكن من الاتفاق على مشروع قانون يقضي بتخفيض مدة السجن من 9 أشهر إلى 6 أشهر، بسبب انعدام الرعاية الصحية والخدمات الأساسية في السجون.
تأجيل النقاش حول هذا المشروع يعكس استمرار الجمود السياسي وعدم قدرة السلطات على إيجاد حلول عملية لمعالجة الأزمة.
ردة فعل السجناء كانت محدودة ومقتصرة على الصراخ وضرب الأبواب والزجاج، بحسب شهادات بعض النزلاء لصحيفة الشرق الأوسط ، أحدهم أوضح أن الاحتجاجات كانت مجرد "تعبير عن استياء واعتراض سريع انتهى بسرعة"، وأضاف: "ندرك أن تحركاتنا اليائسة لا تغيّر شيئاً، وتجاربنا السابقة في الاحتجاجات لم تؤد إلا لمزيد من التضييق". هذا التصريح يلخص حالة الإحباط واليأس المنتشرة بين السجناء، ويعكس غياب أي أفق لإصلاح حقيقي في نظام السجون.
حالة الجاعور الصحية بدأت تتدهور منذ ثلاث سنوات، وخاصة بعد صدور حكم المحكمة العسكرية بالسجن المؤبد، إذ لم تُمنح له فرصة الطعن أو إعادة المحاكمة لتخفيف العقوبة.
هذا الواقع يسلط الضوء على مشكلات النظام القضائي اللبناني، الذي يواجه صعوبة في تطبيق العدالة بشكل يراعي ظروف السجناء، ولا سيما المرضى منهم.
تكرار حوادث وفاة السجناء في لبنان، خصوصاً في ظل تدهور الخدمات، يجعل من هذه الواقعة تحذيراً صارخاً من استمرار الأزمة الإنسانية داخل السجون، ويطرح تساؤلات جدية حول قدرة الدولة على حماية حقوق النزلاء، خاصة مع تفشي الأمراض المزمنة وغياب الرعاية الطبية الكافية.
الوفاة جاءت لتؤكد أن الأزمة لا تقتصر على الاكتظاظ، وانما تشمل نقص الأدوية الأساسية، وعجز الدولة عن توفير الحد الأدنى من الرعاية الصحية، بالإضافة إلى ضعف الرقابة على الحالات الحرجة.
بالرغم من هذا، فإن الإجراءات الأمنية السريعة في احتواء احتجاجات النزلاء تظهر أن الدولة تهتم أكثر بالسيطرة على السجون من الاهتمام بظروف النزلاء الحقيقية.