بين الأمل واليأس: لغز تايس السوري

سامر الخطيب

2025.08.16 - 05:34
Facebook Share
طباعة

 تستمر قضية الصحفي الأميركي أوستن تايس، المختطف في سوريا منذ عام 2012، في كشف أبعاد مأساوية عن الغموض والتعنت الذي واجهته جهوده لاستعادة الحرية، مع الدور المحوري لنظام بشار الأسد في احتجازه وتعطيل أي محاولات للكشف عن مكانه.


تايس، الصحفي والجندي السابق في مشاة البحرية الأميركية، دخل سوريا في أيار 2012 بدافع توثيق الثورة السورية. كان يعلم أن المهمة محفوفة بالمخاطر، لكنه كان مصمماً على تغطية الأحداث رغم التهديدات الأمنية. تنقل بين الشمال السوري ومناطق المعارضة قبل أن يتجه نحو دمشق، متنكراً أحياناً بزي نساء لتجاوز الحواجز الأمنية. في مدينة داريا بريف دمشق، عاش مع مقاتلي الجيش السوري الحر واحتفل بعيد ميلاده في أغسطس 2012، دون أن يدرك أن أيام حريته كانت على وشك الانتهاء.


في 13 أغسطس 2012، انقطعت أخباره تماماً بعد أن أرسل آخر إشارة عبر هاتفه الفضائي، لتبدأ رحلة طويلة من الغموض والمعاناة. وفق التحقيقات، أُوقف تايس عند حاجز أمني في دمشق بعد أن أبلغ عنه سائق سيارة أجرة، وتم تسليمه لضابط المخابرات البارز بسام الحسن، الذي كُلف بالتحقق من هويته. خلال هذه الفترة، أُجبر على جلسات استجواب متكررة، في حين نظم النظام شريط فيديو مصور حاول فيه إيهام العالم بأن الاختطاف نفذته جماعات متشددة، لكن وسائل الإعلام كشفت زيف هذا الفيديو سريعاً.


تمكن تايس لفترة قصيرة من الهروب، لكنه وقع مجدداً في قبضة النظام حين لجأ بطريق الخطأ إلى حي يقطنه كبار المسؤولين الأمنيين، بينهم علي مملوك، رئيس مكتب الأمن القومي. منذ ذلك الحين، أصبح مصيره أكثر غموضاً، في حين استمرت المفاوضات الأميركية السرية مع النظام السوري دون أي نتائج ملموسة.


منذ اختطافه، تعامل الأسد مع قضية تايس كورقة مساومة، مستغلاً نفي دمشق المتكرر لمسؤوليتها لتضليل الوسطاء والدبلوماسيين. أُعطيت وعود متكررة بالإفراج عنه، لكنها تحولت إلى أعذار وتأجيلات مستمرة، مع رسائل عبر وسطاء تشير إلى إطلاق سراحه "في الأسبوع المقبل". وحتى عندما أكدت سفيرة تشيكية في دمشق أنه على قيد الحياة، استمر النظام في إنكار احتجازه، ما وضع عائلته في دائرة الأمل والخيبة المتكررة.


قضية تايس امتدت عبر أربعة رؤساء أميركيين، حيث حاول كل من باراك أوباما ودونالد ترامب وجو بايدن دفع نظام الأسد للإفراج عنه. نُظمت لقاءات سرية بين مسؤولين أميركيين وسوريين، واستخدمت واشنطن وسطاء مقربين من النظام، حتى تم عرض تسهيلات طبية لأسماء الأسد كحافز لإطلاق سراحه، لكنها لم تثمر. رغم مكافأة أميركية قدرها 10 ملايين دولار مقابل أي معلومات، لم تُحرز أي نتائج ملموسة، وظلت أجهزة الاستخبارات الأميركية حتى عام 2024 تقدّر أنه على قيد الحياة، قبل أن تتراجع التقديرات بعد سقوط نظام الأسد.

مع انهيار النظام في ديسمبر 2024، توقع الجميع أن يظهر تايس بين المعتقلين الذين أُفرج عنهم، لكن الصدمة كانت كبيرة: لا أثر له، لا حياً ولا ميتاً. في أبريل 2025، زار ضابط المخابرات السابق بسام الحسن السفارة الأميركية مدعياً أن الأسد أمر بقتل تايس عام 2013، لكن الرواية أثارت الشكوك واعتبرت جزءاً من حملة تضليل.


طوال هذه السنوات، لم تتوقف عائلة تايس عن البحث، حيث وزعت والدته منشورات في دمشق في محاولات يائسة، متعرضة لتجاهل مقصود من سلطات الأسد. العائلة تعتبر أن المماطلة الطويلة من الإدارات الأميركية المتعاقبة والنظام السوري كانت بمثابة "مسرحية هزلية"، تركت مصير ابنها معلقاً بين الأمل واليأس.


حالياً، تتعاون الحكومة السورية الجديدة مع الجهود الأميركية للعثور على تايس، بعد أن تم التوصل إلى خيوط جديدة استناداً لمقابلات مع مساعدي الحسن، لكن الغموض لا يزال يلف مصيره، تاركاً خلفه مأساة إنسانية مستمرة تتجاوز حدود السياسة والحروب.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 10