أصدرت محكمة المقاطعة الأمريكية في كولومبيا هذا الأسبوع حكمًا قضى بمسؤولية نظام بشار الأسد عن تعذيب المواطن الأمريكي السوري عبادة مزيك خلال احتجازه في مطار المزة العسكري بدمشق. الحكم يأتي كتأكيد جديد على أن الانتهاكات الجسدية والنفسية في السجون السورية خلال حكم الأسد لم تكن حالات فردية، بل جزء من سياسة ممنهجة للترهيب والسيطرة على المدنيين.
القضية التي رفعتها منظمة “مركز العدالة والمساءلة” بالتعاون مع منظمات سورية أخرى، استندت إلى شهادات ثمانية شهود وأدلة رسمية من الفرع الأمني الذي وقع فيه التعذيب. شهادات مزيك والضحايا الآخرين توضح تفاصيل صادمة للتعذيب الجسدي والنفسي، بما في ذلك مشاهدة الضحايا الآخرين وهم يتعرضون للمعاملة القاسية.
روجر لو فيليبس، المدير القانوني للمركز السوري للعدالة والمساءلة، أوضح أن القضية مدنية وتستهدف التعويض المالي، وليست جنائية، لكن الحكم الغيابي يعزز سجلًا قضائيًا يمكن أن يُستند إليه في ملاحقات مستقبلية ضد المسؤولين عن التعذيب. وأكد لو فيليبس أن تحصيل التعويضات المالية يظل صعبًا، خصوصًا مع محدودية إمكانية حجز أصول حصل عليها النظام السوري بشكل غير قانوني. ومع ذلك، فإن القضية تحمل قيمة رمزية هامة في تثبيت المسؤولية القانونية عن الانتهاكات السابقة.
تينا الخرسان، مسؤولة السياسات في المركز، اعتبرت أن الحكم يمثل خطوة مهمة للسوريين للوصول إلى الحقيقة وكشف ما حدث للمعتقلين والمفقودين في سوريا، مشددة على أن الألم الذي سببه نظام الأسد يجب ألا يستمر. بدورها، أوضحت مادلين هارت، منسقة البرامج، أن هذه القضايا نادرة في الولايات المتحدة، وأن القانون الأمريكي يتيح محاكمة الدول المصنفة كراعية للإرهاب في قضايا التعذيب ضد مواطنين يحملون الجنسية الأمريكية، مثل مزيك.
القضية تعود إلى كانون الثاني 2012، عندما اعتُقل مزيك فور وصوله إلى مطار دمشق الدولي ونقل إلى فرع المخابرات الجوية في مطار المزة، أحد أكثر مراكز الاحتجاز السورية شهرة بسجل الانتهاكات. تعرض هناك للتعذيب الجسدي والنفسي وأُجبر على مشاهدة تعذيب آخرين، في إطار سياسة النظام القمعية لإسكات المعارضين وإرهاب المدنيين.
الشكوى، التي استندت إلى شهادة مزيك تحت القسم، و30 إفادة من معتقلين سابقين، وخمسة تقارير خبراء، سلطت الضوء على النمط الممنهج للاعتقال والتعذيب الذي طال عشرات آلاف السوريين، بينهم أكثر من 130 ألف شخص ما زالوا مفقودين حتى اليوم. الحكم الأمريكي الصادر في 8 آب 2025 يثبت مسؤولية النظام، مع الإشارة إلى أن فرص تحصيل أي تعويض مالي تبقى محدودة.
الحكم الأمريكي ضد نظام الأسد يحمل بعدًا رمزيًا مهمًا، فهو يؤكد على أن الانتهاكات في سوريا يمكن توثيقها ومساءلة المسؤولين عنها على الصعيد الدولي، حتى بعد سنوات من وقوعها. القرار يعكس قدرة القانون الدولي والمحاكم الأجنبية على تقديم بديل جزئي للعدالة، خاصة في الدول التي يصعب فيها مقاضاة النظام السوري داخليًا.
من ناحية أخرى، تعكس هذه القضية تحديات كبيرة أمام الضحايا: التحصيل المالي للتعويضات محدود، والمسائل الجنائية ضد المسؤولين المباشرين عن التعذيب لا تزال تحتاج إلى جهود دولية أكبر. رغم ذلك، فإن هذه الأحكام تضع معيارًا قانونيًا مهمًا يمكن البناء عليه لاحقًا، وتثبت أن المجتمع الدولي قادر على الاعتراف بالانتهاكات ومساءلة الأنظمة القمعية، حتى إذا كان التنفيذ العملي للعدالة الجزائية محدودًا.