سوريا تواجه تحدياً غير مسبوق في قطاع الغذاء، مع تصاعد المخاطر على الأمن الغذائي بعد جفاف هو الأسوأ منذ أكثر من ثلاثة عقود، ما أدى لانخفاض إنتاج القمح بنحو 40٪. هذا الانخفاض لا يعكس فقط آثار الطبيعة القاسية، بل يشير أيضًا إلى هشاشة البنية الزراعية المتأثرة بصراعات السنوات الماضية ونقص الاستثمارات اللازمة للحفاظ على الإنتاج المحلي.
ضعف تجهيزات الري، محدودية الدعم الفني للمزارعين، وغياب سياسات طويلة الأمد للتعامل مع تقلبات المناخ ساهمت في تفاقم الخسائر الزراعية، خصوصًا في المحافظات الرئيسية المنتجة للقمح مثل الحسكة وحلب وحمص.
النقص الحاد في الإنتاج الزراعي يصادف حكومة جديدة تواجه صعوبات مالية شديدة، ما يحد من قدرتها على شراء كميات كافية من الحبوب لتغطية العجز.
الاعتماد على مشتريات محلية محدودة وعلى واردات صغيرة من الخارج يعكس ضعف القدرة على التخطيط الاستراتيجي وإدارة المخزون الغذائي هذا الوضع يضع ملايين السوريين، أي نحو نصف السكان، أمام مخاطر الجوع وعدم استقرار الأمن الغذائي، مع تأثير مباشر على برامج الدعم الأساسية مثل الخبز المدعوم الذي يعتبر العنصر الرئيسي في غذاء المواطن السوري.
الأزمة الغذائية الحالية ليست مجرد انعكاس للعجز الزراعي، بل هي نتاج تداخل عوامل سياسية واقتصادية، ضعف السيولة المالية، القيود المصرفية، وتأخر الدعم الدولي والعربي يضع الحكومة أمام تحدٍ مزدوج: تأمين الغذاء للمواطنين، وفي الوقت ذاته إعادة بناء اقتصاد متضرر من سنوات الحرب، انعدام خطة واضحة للاستيراد، وعدم الإعلان عن صفقات كبيرة لتأمين القمح، يزيد من مخاطر نقص الإمدادات ويجعل السوق عرضة للارتفاعات الحادة في الأسعار وتأثير مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين.
على الصعيد الاجتماعي، انعكاسات هذه الأزمة واضحة في حياة المزارعين الذين فقدوا جزءًا كبيرًا من محاصيلهم، ما دفع البعض إلى استخدام ما تبقى من القمح لإطعام المواشي بدلًا عن الاستهلاك البشري هذه الظاهرة تعكس فجوة بين الإنتاج والطلب، وتسلط الضوء على الحاجة الملحة لتحسين آليات الدعم الزراعي، وتوفير استراتيجيات مواجهة الجفاف وموسم الزراعة المقبل.
في المحصلة، الأزمة الحالية تكشف عن نقاط ضعف هيكلية في قطاع الزراعة والسياسات الاقتصادية، وتوضح أن الجفاف وحده ليس السبب الوحيد، بل يضاف إليه العجز الحكومي في التمويل، قيود الاستيراد، وتأخر الدعم الدولي.
الوضع يتطلب تدخلًا سريعًا على مستوى التمويل، الاستراتيجيات الزراعية، ودعم برامج الأمن الغذائي لتجنب تفاقم الأزمة، التي يمكن أن تتحول إلى كارثة إنسانية واسعة إذا لم تتضافر الجهود المحلية والدولية بشكل فعال.