تسعى الجماعات المتطرفة إلى مواكبة التطورات التكنولوجية لتوسيع نطاق تأثيرها واستدامة عملياتها، وقد أصبح الذكاء الاصطناعي أداة محورية في هذا المسعى وفق خبراء في مكافحة الإرهاب، تعتمد هذه الجماعات على قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنتاج محتوى دعائي متنوع بلغات متعددة، ما يتيح لها الوصول إلى جماهير جديدة في مناطق لم تكن متاحة سابقاً، مثل أجزاء من أفريقيا وآسيا، دون الحاجة إلى فرق ترجمة بشرية.
هذا الاستخدام يقلل التكاليف ويزيد سرعة الانتشار، ويجعل رسائلها أكثر استهدافاً وفاعلية.
كما تستفيد الجماعات من إمكانيات التزييف العميق لإنشاء شخصيات افتراضية لأفراد متوفين كانوا معروفين بالتحريض، ما يمكنهم من بث أفكار متطرفة وكراهية بشكل مستمر، وهو ما يعقد مهمة الأجهزة الأمنية في تمييز الرسائل الحقيقية من المزيفة. ويشير محللون إلى أن هذه القدرة على محاكاة الشخصيات والتحكم في سرد الأحداث تعزز من القدرة النفسية على التأثير، خصوصاً في جمهور ضعيف التعليم أو محدود الخبرة التقنية.
توظف الجماعات المتطرفة أيضاً منصات التواصل الاجتماعي الذكية ونماذج الذكاء الاصطناعي لتحديد الفئات المستهدفة بدقة، وتصميم رسائل تتماشى مع ميولهم ومخاوفهم، ما يزيد من احتمالية تجنيدهم أو حشد الدعم المالي. هنا يظهر الدور المزدوج للتكنولوجيا: فهي أداة للتجنيد والإقناع، وفي الوقت نفسه وسيلة لتعزيز الشبكات المالية عبر عمليات تبرع إلكترونية مشفرة يصعب تتبعها.
يشير خبراء إلى أن الفجوات القانونية والتنظيمية بين الدول تسهل استغلال هذه التكنولوجيا، خصوصاً من قبل شركات ناشئة أو منصات صغيرة لا تخضع لرقابة صارمة.
إضافة إلى ذلك، تباين السياسات الدولية تجاه محتوى الذكاء الاصطناعي يؤدي إلى تضارب في إزالة المواد التحريضية، حيث تُحظر في بعض البلدان وتُترك في أخرى، ما يتيح استمرار نشرها.
تأثير هذه الاستراتيجيات يمتد إلى المجال النفسي والاجتماعي، إذ تستخدم الجماعات الذكاء الاصطناعي لصياغة سرديات معقدة تجمع بين الواقع والخيال، ما يعزز الشعور بالولاء أو الغضب لدى المتلقين.
ويشير محللون إلى أن هذا النوع من الاستغلال يمكن أن يؤدي إلى زيادة التطرف بين الشباب، خصوصاً في مناطق ضعيفة البنية التعليمية والاقتصادية، حيث تكون قدرة المجتمع على المقاومة محدودة.
من منظور أمني واستراتيجي، يؤكد المختصون على أن مواجهة هذا التحدي تتطلب نهجاً متعدد المستويات، يشمل تنظيم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي على المنصات الكبرى، ومراقبة التطبيقات الصغيرة والمغمورة، مع تعزيز برامج التوعية الرقمية والتثقيف التكنولوجي في الفئات الأكثر عرضة للتجنيد الفكري. كما ينبغي تعزيز التعاون الدولي لوضع معايير موحدة للتحكم في المحتوى المتطرف، وملاحقة الجهات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لأغراض إرهابية.
الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة تقنية، بل أصبح وسيلة استراتيجية تمكّن الجماعات المتطرفة من توسيع نفوذها بشكل غير مسبوق. استمرار هذا الاتجاه يفرض على المجتمع الدولي والإقليمي تطوير آليات عاجلة وفعالة لمراقبة استخدام هذه التكنولوجيا، وقطع أي سبل محتملة لاستغلالها في دعم الإرهاب والتطرف.