أنقرة تدرب قوات سورية وتسلم المواقع لدمشق

وكالة أنباء آسيا

2025.09.09 - 04:57
Facebook Share
طباعة

 
في تطور بارز يعكس مرحلة جديدة من التعاون الأمني والعسكري بين أنقرة ودمشق، بدأت تركيا خلال الأيام الماضية بسحب وحداتها الأمنية من ريف حلب الشمالي، وذلك بالتزامن مع تنفيذ برنامج تدريبي موسع يشارك فيه مئات الجنود وضباط الشرطة السوريين داخل الأراضي التركية. هذه الخطوة تأتي في إطار اتفاقية التعاون العسكري التي وُقّعت بين الجانبين في آب الماضي، لتؤسس لمرحلة أكثر تنظيماً في العلاقة بين البلدين، بعد أن لعبت تركيا دوراً محورياً في دعم الحكومة السورية الجديدة منذ سقوط نظام بشار الأسد أواخر العام الماضي.


انسحاب منظم وتسليم للمواقع
مصادر مطلعة أكدت أن وحدات الدرك التركية بدأت بإخلاء قواعدها المنتشرة في أعزاز وجرابلس ومناطق حدودية أخرى، حيث جرى تسليم تلك المواقع لقوات أمنية سورية تابعة للحكومة الجديدة. المعدات والآليات التي انسحبت تم نقلها إلى الداخل التركي، وتحديداً إلى ولايات هاتاي وغازي عنتاب وكلس، في عملية وُصفت بأنها "منظمة ومدروسة"، وتهدف إلى إنهاء الوجود الأمني التركي المباشر في شمال حلب مقابل تمكين القوات السورية من إدارة تلك المناطق بشكل كامل.


الانسحاب لم يكن مفاجئاً، بل جاء ضمن خطة مشتركة وضعتها وزارتي الدفاع في البلدين منذ أشهر، وتستند إلى قناعة أن استقرار ريف حلب يجب أن يكون مسؤولية القوات المحلية المدربة والمجهزة، لا القوات الأجنبية.


برنامج تدريب شامل
بالتوازي مع الانسحاب، بدأت تركيا بتدريب نحو 300 عنصر سوري في قاعدتين عسكريتين وسط وشرق البلاد، معظمهم من الجنود وبعضهم من ضباط الشرطة. الخطة التركية – السورية تتجاوز هذا الرقم بكثير، إذ تشير المعلومات إلى أن المرحلة الأولى ستشمل تدريب 5 آلاف جندي وشرطي، على أن يتوسع العدد تدريجياً ليصل إلى أكثر من 20 ألفاً خلال السنوات القليلة المقبلة.


التدريبات تركز على مهارات عسكرية وأمنية متقدمة، مثل مكافحة الإرهاب، إزالة الألغام، الدفاع السيبراني، والعمليات الخاصة، إلى جانب مجالات الشرطة المدنية كإدارة الأمن الداخلي وتنظيم حركة المرور وحماية المرافق العامة.


اتفاقية آب: نقطة تحول
في 13 آب الماضي، استقبل وزير الدفاع التركي يشار غولر نظيره السوري مرهف أبو قصرة ووزير الخارجية أسعد الشيباني ورئيس الاستخبارات العامة حسين السلامة في أنقرة. وخلال اللقاء، جرى التوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون العسكري شملت التدريب وتبادل الخبرات وتقديم الاستشارات، إضافة إلى آليات لدعم إصلاح قطاع الأمن السوري بشكل شامل.


هذه الاتفاقية ليست مجرد تفاهم عابر، بل يُنظر إليها كخطوة استراتيجية نحو إعادة بناء الجيش السوري ومؤسساته الأمنية، على أسس حديثة واحترافية، بعد عقود من الترهل والفساد الذي كان سائداً في عهد النظام السابق.


تحولات إقليمية وأبعاد سياسية
التحرك التركي في شمال سوريا لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي الأوسع. فأنقرة تسعى إلى ضمان حدود مستقرة وخالية من التهديدات، سواء من تنظيم "داعش" أو من "قوات سوريا الديمقراطية – قسد"، التي لطالما اعتبرتها امتداداً لحزب العمال الكردستاني. وفي الوقت نفسه، تعمل الحكومة السورية الجديدة على تثبيت سيطرتها على كامل الأراضي، وهو ما يلتقي مع المصالح التركية في منع أي فراغ أمني قد تستغله أطراف أخرى.


الخطوة تحمل أيضاً رسالة سياسية واضحة: العلاقة بين أنقرة ودمشق لم تعد محكومة باعتبارات الماضي، بل باتت شراكة استراتيجية تتجسد في مشاريع أمنية واقتصادية مشتركة. ومن شأن ذلك أن يغير معادلات القوى في الملف السوري، خصوصاً مع تراجع النفوذ الإيراني وتنامي الدور التركي.


ردود أفعال وتحذيرات
رغم الترحيب الرسمي، برزت أصوات محذّرة من أن تكون هذه التدريبات مقدمة لنفوذ تركي مفرط داخل مؤسسات الدولة السورية. غير أن مسؤولين سوريين أكدوا أن الاتفاقية قائمة على مبدأ السيادة، وأن كل جندي أو شرطي يتلقى تدريباً في تركيا سيعود ليخدم تحت راية الدولة السورية الجديدة، لا أي جهة أخرى.


من جهة أخرى، أثارت الغارات الإسرائيلية الأخيرة على حمص واللاذقية تساؤلات حول ما إذا كانت إسرائيل تسعى لعرقلة التعاون العسكري السوري – التركي. إذ أشارت تقارير إعلامية إلى أن بعض الأهداف المستهدفة كانت تضم معدات دفاع جوي تركية نُقلت حديثاً إلى سوريا. ورغم عدم صدور تأكيد رسمي، إلا أن الحادثة تكشف حساسية الموقف وخطورة التداخل بين ملفات الأمن الإقليمي.


تحليل: نحو جيش سوري جديد؟
يمكن القول إن الاتفاقية مع تركيا تفتح الباب أمام إعادة تشكيل المؤسسة العسكرية السورية بشكل جذري. فبناء جيش وطني محترف ومدعوم بخبرات خارجية موثوقة سيكون عاملاً أساسياً في تعزيز استقرار سوريا داخلياً، وإعادة رسم دورها إقليمياً.


لكن التحدي يكمن في مدى قدرة الحكومة السورية على الحفاظ على استقلالية قرارها، وضمان ألا تتحول الشراكة مع أنقرة إلى وصاية سياسية أو عسكرية. وفي المقابل، تحتاج تركيا إلى طمأنة الداخل السوري بأن دعمها لا يستهدف فرض أجندة خاصة، بل حماية حدودها والمساهمة في استقرار المنطقة.


في كل الأحوال، يبدو أن المشهد السوري يدخل مرحلة جديدة عنوانها التعاون الأمني والعسكري المباشر بين دمشق وأنقرة، وهو ما سيترك انعكاسات واسعة على مستقبل التوازنات في سوريا والمنطقة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 10