بعد مواجهات حلب... الرئيس السوري يلتقي المبعوث الأميركي توم برّاك لبحث سبل دعم العملية السياسية

2025.10.07 - 05:21
Facebook Share
طباعة

في خطوة وُصفت بأنها الأكثر جرأة منذ سنوات، أعلنت الرئاسة السورية أن الرئيس أحمد الشرع عقد اجتماعاً موسعاً في دمشق مع المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم برّاك، وقائد القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) الأدميرال براد كوبر، لبحث «سبل دعم العملية السياسية وتعزيز الأمن والاستقرار».

يأتي اللقاء في أعقاب مواجهات عنيفة شهدتها مدينة حلب بين قوات الجيش السوري ومقاتلين محليين مدعومين من "قسد"، وسط تصاعد التوترات شمال البلاد، وتزايد الضغوط الدولية على دمشق لتفعيل مسار التسوية السياسية المجمدة منذ أكثر من عامين.

لقاء ثلاثي استثنائي في دمشق

بحسب البيان الرسمي الصادر عن الرئاسة السورية، حضر الاجتماع كل من وزير الخارجية أسعد الشيباني، ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة، ورئيس جهاز الاستخبارات العامة حسين السلامة، ما يعكس الطابع الأمني والسياسي المعمّق للمحادثات.

وذكر البيان أن اللقاء تناول آخر التطورات الميدانية، خصوصاً في الشمال والشمال الشرقي، وناقش آليات تنفيذ اتفاق العاشر من مارس (آذار) المبرم بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بما «يصون وحدة الأراضي السورية وسيادتها» ويمنع عودة الفوضى إلى المناطق المتنازع عليها.

في المقابل، أكدت مصادر دبلوماسية أن الوفد الأميركي شدد على ضرورة تفعيل مسار جنيف ودعم جهود الأمم المتحدة لإعادة إطلاق العملية السياسية وفق القرار الأممي 2254، مع التركيز على الملف الإنساني وضرورة تسهيل وصول المساعدات إلى المناطق المتضررة من الحرب.

اللقاء مع مظلوم عبدي: عودة التنسيق بعد قطيعة

في موازاة الاجتماع الرسمي، كشفت وكالة الصحافة الفرنسية عن لقاءٍ منفصل جرى بين الرئيس السوري أحمد الشرع والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، بحضور مبعوثين أميركيين، في القصر الجمهوري بدمشق.

وبحسب الوكالة، فإن هذا هو اللقاء الأول بين الرجلين منذ يوليو (تموز) الماضي، ويأتي بعد ليلة من الاشتباكات العنيفة في مدينة حلب بين الجيش السوري ومجموعات تابعة لـ"قسد".

وشارك في الاجتماع عدد من القيادات الكردية البارزة، من بينهم إلهام أحمد، وروهلات عفرين، وغسان اليوسف نائب الرئاسة المشتركة في مجلس سوريا الديمقراطية، وعبد حامد المهباش رئيس حزب سوريا المستقبل، إلى جانب المبعوث الأميركي توم برّاك والأدميرال كوبر على رأس وفد من التحالف الدولي.

المواجهات في حلب: صراع النفوذ وملف الإدارة المحلية

تعود جذور التوترات الأخيرة في حلب إلى الخلافات المتصاعدة بين الحكومة السورية و"قسد" حول آلية إدارة المناطق المشتركة، وخاصة في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية، التي تُعد مناطق تماس حساسة بين الجانبين.

وقالت مصادر ميدانية إن الاشتباكات اندلعت على خلفية اعتقال قوات الأمن السورية لقيادات ميدانية كردية، وردّت "قسد" بهجوم على حاجز تابع للجيش السوري، ما أسفر عن مقتل عدد من الجنود والمقاتلين.

وتُعد هذه المواجهات الأخطر منذ توقيع اتفاق مارس 2025، الذي نص على تفاهم أمني مشترك لتجنب الصدام، وتنسيق الجهود في مواجهة التنظيمات الإرهابية وبقايا خلايا "داعش" في بادية دير الزور والرقة.

دمشق وواشنطن... تقارب تكتيكي أم تحول استراتيجي؟

لقاء الشرع ببرّاك وكوبر يمثل – وفق مراقبين – مؤشراً على بداية تحوّل حذر في العلاقات السورية – الأميركية، بعد سنوات من القطيعة والعقوبات المتبادلة.

ويقول الخبير في الشؤون الأميركية – السورية د. نضال كنعان إن "دمشق تدرك أن أي مسار سياسي مستدام لا يمكن أن يتجاهل واشنطن، خاصة مع تراجع النفوذ الروسي نتيجة الحرب الأوكرانية، وتزايد الضغوط الاقتصادية الداخلية".

ويضيف كنعان أن اللقاء جاء بعد ضوء أخضر روسي مشروط، ضمن تفاهم غير معلن بين موسكو وواشنطن حول تقاسم النفوذ الأمني في شرق الفرات، وضمان استمرار التهدئة في الشمال السوري، بما يمنع انهيار الموقف الميداني.

أما من الجانب الأميركي، فيرى مراقبون أن واشنطن تبحث عن قنوات اتصال مباشرة مع دمشق لتأمين انسحاب تدريجي من بعض النقاط في شمال سوريا دون ترك فراغ قد تستفيد منه إيران أو "داعش".

أهمية الدور الكردي في المعادلة الجديدة

يشكل اللقاء الثلاثي بين دمشق و"قسد" والأميركيين منعطفاً سياسياً مهماً في مسار الأزمة السورية. فواشنطن – رغم دعمها العسكري لـ"قسد" – تدرك أن استقرار الشمال لا يمكن تحقيقه دون تفاهم سياسي بين الأكراد والحكومة المركزية.

من جانبها، تسعى "قسد" إلى انتزاع اعتراف رسمي بإدارة ذاتية موسعة ضمن الدولة السورية، وهو ما تصفه دمشق بـ«الفدرالية المقنعة» وترفضه بشدة، متمسكة بمبدأ المركزية السياسية والسيادة الوطنية.

لكن مصادر مقربة من الوفد الكردي أكدت أن مظلوم عبدي أبدى استعداداً للتعاون مع الجيش السوري في مواجهة التهديدات التركية المحتملة في الشمال، مقابل ضمانات سياسية بعدم المساس بالإدارة المحلية الكردية.


 

سوريا بين ثلاث عواصم

ما بين دمشق وواشنطن وموسكو، تقف الأزمة السورية عند مفترق جديد. اللقاءات الأخيرة تُظهر أن الملف السوري لم يعد مجمداً بالكامل، وأن ثمة رغبة أميركية في إعادة صياغة المشهد بما يضمن مصالحها ويحد من النفوذ الإيراني.

أما بالنسبة للرئيس أحمد الشرع، الذي يواجه تحديات داخلية ضخمة بعد عامين من توليه السلطة خلفاً لبشار الأسد، فإن الانفتاح على واشنطن قد يكون مغامرة محسوبة، لكنها محفوفة بالمخاطر إذا لم تُترجم بخطوات واقعية على الأرض.

وبينما ينتظر السوريون أي بارقة أمل لإنهاء أزمتهم الممتدة منذ أكثر من عقد، يبقى السؤال مفتوحاً:
هل يمهّد هذا اللقاء لمرحلة تسوية سياسية شاملة تعيد سوريا إلى المجتمع الدولي؟ أم أنه مجرد هدنة دبلوماسية مؤقتة ستتبدد مع أول تصعيد جديد في الشمال؟ 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 2