وباء الكبد يطرق أبواب جبلة
شهدت قرية رأس العين الواقعة في ريف مدينة جبلة جنوب محافظة اللاذقية حالة طوارئ صحية غير معلنة، بعد تفشي فيروس التهاب الكبد الوبائي A بين عدد من السكان والطلاب، ما دفع الجهات المعنية إلى تعليق الدوام المدرسي في جميع مدارس القرية يوم الأحد، في محاولة للحد من انتشار العدوى بين الطلاب والأهالي.
يأتي القرار بعد تسجيل ارتفاع ملحوظ في الإصابات، وسط شكاوى من سكان المنطقة حول تدهور نوعية المياه المستخدمة في الشرب والزراعة، والتي يُعتقد أنها السبب الرئيس وراء تفشي المرض.
إصابات متزايدة وحالة استنفار صحي
بحسب معطيات من داخل القرية، بلغ عدد الإصابات نحو 35 حالة مؤكدة بين أطفال وبالغين، غالبيتهم في المراحل الدراسية المختلفة. فرق طبية تابعة لوزارة الصحة زارت القرية خلال اليومين الماضيين، وأوصت بإغلاق المدارس مؤقتاً ريثما يتم الانتهاء من عمليات التعقيم والفحص المخبري لمصادر المياه.
وأوضحت الجهات الطبية المشرفة أن الفحص الميداني في المدارس أظهر حالتين إصابة فقط داخل المدرسة الابتدائية، فيما كانت بقية الإصابات المسجلة – نحو 10 في الصفوف الابتدائية وقرابة 23 في الإعدادية والثانوية – في طور الشفاء.
تلوث المياه.. السبب الأبرز وراء تفشي العدوى
تشير المعلومات الواردة من القرية إلى أن معظم الأهالي يعتمدون على آبار خاصة كمصدر رئيسي لمياه الشرب، في ظل محدودية ضخ المياه من الشبكة العامة التي لا تصل إلا مرة كل أسبوعين تقريباً. هذه الآبار تقع في مناطق متقاربة من مصادر صرف صحي غير آمنة، وبعضها بجوار جور فنية تُستخدم لتصريف المياه المنزلية، ما يجعل احتمال تلوث المياه مرتفعاً للغاية.
كما تبيّن أن مياه النهر التي تمر قرب القرية تُستخدم في ري المزروعات، رغم أن بعضها ملوث بمياه الصرف الصحي القادمة من مناطق مجاورة، وهو ما يشكل خطراً إضافياً على الصحة العامة.
وأفادت فرق الصحة بأنها جمعت عينات جديدة من مياه الشرب في الآبار والمدارس، وأرسلتها إلى المخبر الجرثومي في وحدة المياه لإجراء التحاليل اللازمة، مؤكدة استمرار المراقبة الصحية حتى ظهور النتائج.
سوابق صحية مقلقة في المنطقة
المنطقة لم تشهد هذه الحادثة للمرة الأولى، إذ سُجلت في قرى حمام القراحلة وكفردبيل القريبتين حالات جماعية مماثلة في الأعوام السابقة، ما يعزز فرضية أن البنية التحتية للمياه والصرف الصحي في الريف الجبلاوي باتت متهالكة وتشكل خطراً دائماً على السكان.
ما هو التهاب الكبد A؟
يُعد التهاب الكبد الوبائي A من الأمراض الفيروسية شديدة العدوى، ويؤثر بشكل مباشر على الكبد مسبباً التهابه وضعف قدرته على أداء وظائفه الطبيعية.
تنتقل العدوى عادةً عن طريق تناول طعام أو شراب ملوث أو من خلال الاحتكاك المباشر بشخص مصاب.
ورغم خطورته، فإن معظم الحالات تُعتبر خفيفة إلى متوسطة وتتعافى تلقائياً خلال أسابيع دون مضاعفات دائمة، إلا أن انتشاره بين الأطفال والمسنين يستدعي استجابة صحية عاجلة لتفادي انتقاله على نطاق أوسع.
مطالبات بالتحرك العاجل
سكان القرية دعوا الجهات المحلية إلى تحسين شبكات الصرف الصحي ومراقبة الآبار الخاصة، وتوفير مياه آمنة للشرب، معتبرين أن تعليق الدوام إجراء مؤقت لا يكفي لوقف تفشي العدوى ما لم تتم معالجة الأسباب الجذرية للمشكلة.
في الوقت نفسه، أكد الأهالي أنهم يعيشون حالة من القلق والهلع، مع انتشار الشائعات حول خطورة المرض وطرق انتقاله، في حين ناشدت الكوادر الصحية الأهالي عدم التهاون بالنظافة الشخصية وغلي المياه قبل الاستخدام، إلى أن تثبت التحاليل سلامة مصادر المياه.
وبينما يترقب السكان نتائج الفحوص المخبرية، تبقى قرية رأس العين مثالاً جديداً على هشاشة الواقع الصحي والخدمي في أرياف الساحل السوري، حيث تتحول قطرة الماء من نعمة إلى تهديد صامت يهدد حياة المئات.
