في تطور لافت على مسار التفاهمات بين دمشق و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، شهدت مدينة الطبقة بريف الرقة الغربي اجتماعاً نادراً ضم وفداً حكومياً سورياً ومسؤولين عسكريين من "قسد"، في خطوة اعتُبرت مؤشراً جديداً على اقتراب التفاهم بين الطرفين بعد شهور من التوتر والاتصالات غير المعلنة.
الاجتماع الذي عُقد يوم الاثنين في مقر الإدارة المحلية بالمدينة، جاء بمشاركة وفد من وزارة الداخلية السورية برئاسة العقيد محمد عبد الغني، قائد مديرية الأمن الداخلي في حلب، وعدد من الضباط والمسؤولين الأمنيين. وقد جرى خلاله بحث الأوضاع الميدانية في مدينة حلب، ولا سيما في حيي الأشرفية والشيخ مقصود، اللذين شهدا خلال الأسابيع الماضية توترات متصاعدة بين القوات الحكومية ووحدات الحماية المحلية التابعة لـ"قسد".
تفاهمات ميدانية وهدوء هش
وفق المعلومات التي تسرّبت من الاجتماع، ركّزت المداولات على تهدئة التوتر ومنع أي تصعيد عسكري داخل الأحياء المشتركة، إلى جانب وضع آلية للتنسيق الأمني تضمن سلامة المدنيين واستمرار الخدمات في تلك المناطق الحساسة.
مصادر محلية أكدت أن الطرفين أبديا مرونة واضحة في النقاش، وأن اللقاء جرى "بأجواء إيجابية"، مع اتفاق مبدئي على استمرار قنوات التواصل المشتركة، وتشكيل لجان متابعة في كل من حلب والطبقة لمراقبة تنفيذ ما جرى التفاهم عليه.
وفي حين شدد ممثلو "قسد" على أن الحلول السلمية هي "الخيار الوحيد الممكن" للحفاظ على الاستقرار، أكد الوفد الحكومي ضرورة توحيد الجهود لضبط الأمن ومنع أي تدخلات خارجية في إدارة الشؤون المحلية.
يُعدّ هذا اللقاء استمراراً لسلسلة اجتماعات بدأت منذ مطلع العام الحالي، ضمن مسار طويل من المباحثات الأمنية والسياسية بين الحكومة السورية و"قسد"، التي تسيطر على مساحات واسعة من شمال وشرق البلاد.
وكانت دمشق قد شهدت خلال الأسابيع الماضية حراكاً دبلوماسياً مكثفاً، إذ استقبلت وفوداً أميركية وإقليمية ناقشت الملف السوري من جوانبه العسكرية والإنسانية، ما أعاد تحريك الاتصالات بين الطرفين السوريين نحو تفاهمات جديدة.
وتشير المعطيات إلى أن اتفاق العاشر من آذار الذي تم التوصل إليه سابقاً بين القياديين أحمد الشرع ومظلوم عبدي، لا يزال يشكّل الإطار الأساسي لأي تسوية قادمة، خصوصاً ما يتعلق بمسألة دمج قوات قسد ضمن الجيش السوري تحت إشراف وزارة الدفاع، وضمّ قوى الأمن الداخلي "الأسايش" إلى وزارة الداخلية في خطوة مماثلة.
دمج القوات.. العنوان الأبرز للمرحلة القادمة
بحسب ما رشح عن المداولات الأخيرة، فإن ملف الدمج العسكري والأمني يشكّل جوهر المرحلة القادمة من المحادثات. فبينما ترى الحكومة في هذا الدمج خطوة نحو استعادة السيادة الكاملة على الأراضي السورية، تعتبره "قسد" وسيلة لضمان حماية المناطق التي تديرها، وتثبيت مكتسباتها الإدارية ضمن إطار وطني موحّد.
ورغم أن أي اتفاق نهائي لم يُعلن بعد، إلا أن اللقاءات المتكررة خلال الشهر الجاري توحي بوجود تفاهمات ضمنية حول خطوط عامة، تتعلق بترتيب العلاقة بين الإدارات المحلية التابعة لـ"قسد" والوزارات السورية، وتحديد آليات التنسيق العسكري في مناطق التماس.
ما وراء الاجتماع
الاجتماع في الطبقة لا يمكن فصله عن التحولات الميدانية والسياسية الجارية شمال سوريا، ولا عن الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة على الجانبين لتجنب أي صدام جديد قد يعقّد المشهد الأمني.
ويرى مراقبون أن اللقاء الأخير قد يكون بمثابة مقدمة لاتفاق أوسع يعيد رسم العلاقة بين دمشق و"قسد" على أسس جديدة، خصوصاً بعد تراجع التصعيد في حلب، واستمرار المحادثات بشأن مستقبل القوات المحلية والإدارات المدنية في مناطق شمال وشرق البلاد.
وبينما التزم الطرفان الصمت حيال تفاصيل ما جرى في الاجتماع، اكتفى كل جانب بالتأكيد على "أهمية الحلول السورية – السورية" و"رفض أي تصعيد يهدد حياة المدنيين"، ما يعكس رغبة مشتركة في الانتقال من مرحلة المواجهة إلى مرحلة التفاهم المشروط.