تشهد مدينة اللاذقية منذ أسابيع توتراً أمنياً متصاعداً، تُرجمه حوادث خطف واعتداءات مسلحة تتكرر بوتيرة تنذر بانهيار منظومة الأمان المدني، آخرها محاولة خطف صائغ مجوهرات في قلب المدينة تحولت إلى مشهد مثير للجدل.
في الحادي والعشرين من تشرين الأول الجاري، حاول عدد من الملثمين خطف صائغ معروف في نهاية المشروع الأول، أحد أكثر أحياء اللاذقية ازدحاماً، والمعروف باسم “شارع الأكل”.
ووفق شهود عيان، واجه الصائغ مهاجميه بشجاعة مستخدماً أداة حادة للدفاع عن نفسه، ما أدى إلى نشوب عراك انتهى بإصابته وإصابة أحد الخاطفين. وبعد دقائق من الفوضى، تدخلت عناصر الأمن العام وطاردت المهاجمين باتجاه المشروع الثاني، حيث تمكنت من تفريقهم والقبض على أحد المصابين.
توقيت التدخل السريع أثار جدلاً في الأوساط المحلية، إذ وصف بعض الأهالي الحادثة بأنها “تمثيلية” الغرض منها بث الطمأنينة في الشارع الغاضب بعد سلسلة جرائم مماثلة. ورغم محاولات نفي وجود علاقة بين المصاب وبقية المجموعة، تشير التسريبات إلى أنه يتلقى العلاج تحت حراسة أمنية مشددة.
في اليوم التالي، اختُطف المسن صلاح أصلان، البالغ من العمر سبعين عاماً، أمام منزله في مشروع ياسين بحي الأوقاف، على يد مجموعة مسلحة كانت تستقل سيارة مدنية. وأظهرت مقاطع مصورة لحظة اقتياده بالقوة إلى جهة مجهولة، في واقعة صدمت سكان المدينة، خصوصاً أن الرجل معروف بثروته وصلاته الاجتماعية الواسعة.
هذه الحوادث ليست معزولة، بل تأتي ضمن موجة خطف متزايدة تضرب الساحل السوري ومدناً أخرى، وتشمل أطفالاً وشباباً ومسنين. وخلال الأسبوع نفسه، سُجلت ثماني حالات اختطاف ومحاولة خطف في محافظات متعددة — من القنيطرة إلى حمص وريف دمشق وجبلة وحماة — بعضها انتهى بقتل الضحايا، وأخرى لم يُعرف مصيرها حتى الآن.
ففي 17 تشرين الأول، خُطف شاب من ريف دمشق، بينما عُثر في 21 من الشهر نفسه على جثة شاب من حمص بعد ساعات من اختطافه. وفي 22 تشرين الأول، نُفذت محاولة خطف فاشلة في ريف جبلة أسفرت عن إصابة الشاب المستهدف، تزامناً مع حادثة مماثلة استهدفت صاحب معمل حليب في ريف حمص. أما في 23 من الشهر ذاته، فقد شهدت البلاد أربع محاولات جديدة: اختطاف مسن في اللاذقية، ومحاولة خطف طفل في القنيطرة، وطبيب في حمص، وشاب في حماة.
تزايد هذه الحالات يعكس ظاهرة خطيرة باتت تهدد استقرار المجتمع السوري، وسط مؤشرات على نشاط عصابات منظمة تعمل ضمن شبكات تمتد بين المدن، وتستفيد من ضعف الملاحقة القانونية وتعدد الولاءات المحلية. وتتنوع دوافع هذه الجرائم بين طلب الفدية، وتصفيات الحسابات، والدوافع السياسية أو الانتقامية، فيما تبقى العديد من الحوادث بلا تفسير.
ويرى مراقبون أن تكرار هذه الجرائم في مناطق كانت تُعرف سابقاً بهدوئها النسبي، كالساحل السوري، يُظهر خللاً في منظومة الردع والمحاسبة، ويكشف عن أزمة أعمق تتعلق بغياب الثقة بين المواطنين والسلطات. فالمجتمع المحلي بات يعتمد على مبادرات ذاتية للحماية، فيما تتزايد الدعوات لفرض رقابة أشد وضبط حركة المركبات غير المسجلة والدراجات النارية التي تُستخدم في معظم العمليات.
ومع تصاعد المخاوف، يعيش سكان اللاذقية حالة من الترقب والقلق، بعد أن تحولت حوادث الخطف من قصص متفرقة إلى ظاهرة يومية تهدد السلام الأهلي وتعيد إلى الأذهان مشاهد الانفلات الأمني التي رافقت فترات الفوضى السابقة. ويؤكد الأهالي أن الخطر لم يعد يستهدف فئة محددة، بل بات يطال الجميع دون استثناء.
في غياب خطة أمنية متكاملة أو معالجات اجتماعية واقتصادية جذرية، تبقى اللاذقية — كبقية المدن السورية — أمام معركة جديدة: معركة استعادة الشعور بالأمان في زمن تكثر فيه الأقنعة، وتغيب فيه العدالة.