تشهد المحافظات السورية تصاعدًا مقلقًا في جرائم القتل، التي تنوّعت دوافعها بين الانتقام والثأر والخلافات الاجتماعية، وصولًا إلى جرائم ذات خلفيات طائفية حساسة.
ورغم اختلاف مسارح الجريمة بين دمشق وريفها وحمص وحلب وحماة واللاذقية ودرعا وإدلب وطرطوس، إلا أن المشهد واحد: دماء تُسفك يوميًا بلا رادع فعلي، وضحايا مدنيون يدفعون ثمن انقسامٍ لم يلتئم بعد.
فخلال الأسابيع الأربعة الأخيرة، قُتل 57 شخصًا في مختلف المحافظات السورية، بينهم 8 سيدات وطفل واحد، في حوادث وُصفت بأنها “انتقامية وطائفية” في معظمها.
جاءت حمص في صدارة المحافظات الأكثر دموية بتسجيلها 19 حالة قتل، تلتها حماة بتسع ضحايا، ثم حلب بثمانٍ، فريف دمشق بسبع، واللاذقية بأربع، وإدلب بأربع، وطرطوس بحالتين، ودرعا بثلاث، إضافة إلى حالة واحدة في دمشق.
ورغم غياب مؤشرات رسمية دقيقة حول دوافع كل حادثة، تؤكد المعطيات الميدانية أن كثيرًا منها مرتبط بخلافات قديمة أو صراعات على النفوذ المحلي أو تصفيات ذات طابع شخصي، بينما حمل بعضها الآخر طابعًا طائفيًا واضحًا أعاد إلى الأذهان ذاكرة الصراع الدموي الذي شهدته البلاد خلال السنوات الماضية.
تكرار هذه الحوادث في مناطق متفرقة يسلّط الضوء على هشاشة الوضع الأمني وضعف أدوات الردع والمساءلة، رغم التحسن النسبي في بعض المناطق بعد تشكيل الحكومة الجديدة. كما تكشف عن عمق الانقسام الاجتماعي واستمرار نزعة الانتقام الفردي، في ظل غياب مسار قضائي فعّال قادر على فرض العدالة والمحاسبة.
ويرى محللون أن تصاعد هذه الجرائم يعكس فشلًا بنيويًا في إدارة الأمن المجتمعي، لا يرتبط فقط بضعف الأجهزة الأمنية، بل أيضًا بتآكل منظومة القيم الاجتماعية التي كانت تشكّل في الماضي حائط صد أمام الانفلات.
ففي المجتمعات التي شهدت حربًا طويلة كالتي عاشتها سوريا، تصبح الجريمة امتدادًا للصراع، وتتحول أدوات الحرب إلى أدوات حياة يومية، حيث يستمر العنف كعادةٍ موروثة ما لم يُكسر عبر عدالةٍ انتقاليةٍ جادة ومصالحة مجتمعية حقيقية.
ويشير مراقبون إلى أن استمرار غياب الردع القانوني، وتباطؤ التحقيقات، وشعور بعض الجناة بالإفلات من العقاب، ساهم في اتساع رقعة العنف، ليتحوّل القتل من “رد فعل” إلى “لغة يومية” تعبّر عن الاحتقان المتراكم في مجتمع أنهكته الحرب والفقر والتفكك.
في المقابل، يرى آخرون أن معالجة هذه الظاهرة لا يمكن أن تكون أمنية فقط، بل تحتاج إلى رؤية شاملة تبدأ من التعليم والتوعية والإعلام، وتنتهي بإعادة بناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، حتى لا تبقى البلاد رهينة “الانتقام الطائفي” الذي يحصد الأرواح ويهدد أي أمل في الاستقرار.