زيادات الأجور في سورية... حلم مؤجل؟

2025.10.26 - 06:07
Facebook Share
طباعة

 منذ إعلان المرسومين الرئاسيين في يونيو/حزيران الماضي، الذين نصّا على زيادة رواتب وأجور العاملين والمتقاعدين في القطاعين المدني والعسكري، لا يزال السوريون يتساءلون: هل تكفي هذه الزيادات لمجاراة الأسعار المتصاعدة، أم أنها مجرد “جرعة تفاؤل” مؤقتة في اقتصاد يئن تحت وطأة التضخم؟

الزيادة الأخيرة، التي وصفتها الحكومة بأنها خطوة “إصلاحية”، رفعت الحد الأدنى للأجور إلى مستوى جديد، لكنها لم تغيّر واقع الفجوة الكبيرة بين الدخل ونفقات المعيشة.
فوفق تقديرات اقتصادية حديثة، تبلغ كلفة المعيشة الأساسية لأسرة سورية مؤلفة من خمسة أفراد نحو 7.1 ملايين ليرة شهرياً، أي ما يعادل نحو 645 دولاراً، بينما يغطي الحد الأدنى للأجور الجديد أقل من 10% من هذا المبلغ.


أمل يتجدد... ولكن دون أثر ملموس
يرى خبراء الاقتصاد أن الزيادات الأخيرة، رغم أهميتها الرمزية، تبقى محدودة في قدرتها على تحسين الحياة اليومية للسكان.
إذ يعتبر اقتصاديون أن رفع الرواتب بنسبة 200% خطوة مهمة من الناحية السياسية، لكنها لا تتناسب مع التضخم التراكمي الذي تشهده البلاد منذ أكثر من عقد.
ويشيرون إلى أن معظم الزيادات تُستهلك فوراً في نفقات أساسية مثل الغذاء والنقل والمشتقات النفطية، لتبقى الأسر أمام عجز شهري متكرر.

وفي الوقت الذي ترى فيه الحكومة أن هذه الخطوة “أساس لإصلاح هيكلي في الأجور”، يؤكد مختصون أن ضبط الأسواق ومكافحة الاحتكار هما العنصران الغائبان عن أي إصلاح فعلي.
فبحسب تقديرات محلية، تصل أرباح بعض التجار إلى 200% من سعر التكلفة، وسط غياب رقابة فعالة على الأسعار وتنامي الأسواق السوداء.


وجهة نظر رسمية: إصلاح تدريجي لا تمويل بالعجز
من منظور حكومي، تُعد الزيادة خطوة محسوبة تهدف إلى تخفيف الأعباء دون الإضرار بالاستقرار المالي.
ويؤكد مسؤولون أن عدم اللجوء إلى التمويل بالعجز يشكل مؤشراً إيجابياً على ضبط المالية العامة، وأن التركيز في المرحلة الأولى على قطاعات التعليم والصحة والقضاء يهدف إلى تحسين الخدمات العامة والحد من تسرب الكفاءات.

لكن خبراء يشددون على أن نجاح هذا النهج يحتاج إلى خطة متابعة واضحة تضمن توسيع نطاق الزيادة لتشمل مختلف القطاعات تدريجياً، مع تحديث دوري لجداول الأجور وفق تغيّرات الأسعار وسعر الصرف، وإلا ستبقى الزيادات مجرد تعديل رقمي لا ينعكس على حياة الناس.


بين الأرقام والواقع... فجوة تتسع
منذ عام 2011، فقدت الليرة السورية أكثر من 99% من قيمتها، ليتراجع الحد الأدنى للأجور من نحو 270 دولاراً إلى أقل من 20 دولاراً قبل الزيادة الأخيرة.
في المقابل، ارتفعت أسعار السلع الأساسية بأكثر من 300 ضعف خلال الفترة نفسها، ما جعل راتب الموظف الذي كان يكفي لشهرٍ كامل قبل الحرب، لا يكفي اليوم لأيام معدودة.

وفي ظل غياب رقابة فعالة على الأسواق، بات السوريون يرون أن كل زيادة في الرواتب تُقابل بارتفاع فوري في الأسعار، وكأن السوق “تسبق القرارات الحكومية بخطوة”.
ويرى مراقبون أن هذه الحلقة المفرغة لن تُكسر إلا من خلال سياسات شاملة تجمع بين ضبط الأسعار، وتفعيل الدعم الاجتماعي، وتحفيز الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على الواردات الباهظة.


نظرة اجتماعية: دخل لا يغطي الكرامة
من جانبها، ترى أستاذة علم الاجتماع في جامعة دمشق أن الزيادات الأخيرة تحمل بعداً اجتماعياً مهماً لكنها غير كافية لتأمين حياة كريمة.
فأسرة سورية متوسطة تحتاج، وفق تقديراتها، إلى ما بين 700 و800 دولار شهرياً لتغطية الاحتياجات الأساسية، بينما تحتاج إلى نحو ألفي دولار لتعيش “حياة مستقرة”.
وتحذر من أن الفجوة بين الأجور وتكاليف المعيشة قد تدفع مزيداً من الشباب إلى الهجرة أو العمل خارج القطاعات الرسمية.


بين الوعود والواقع... معركة طويلة
تحاول الحكومة السورية عبر خطة رفع الأجور الجديدة ترميم الثقة بين الدولة والمجتمع، وإعادة شيء من الأمل لموظفي القطاع العام.
لكن الطريق إلى تحقيق توازن حقيقي بين الدخل والأسعار لا يزال طويلاً، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف الاستيراد، والعقوبات الاقتصادية، وتراجع الإنتاج المحلي.

وبينما تبدي الأوساط الرسمية تفاؤلاً بتحقيق استقرار نسبي، يرى معظم الخبراء أن المعركة الحقيقية ليست في رفع الأرقام على الورق، بل في ضبط السوق وتأمين أساسيات الحياة.
ففي بلد يعيش نصف سكانه تحت خط الفقر، تبدو زيادة الرواتب خطوة مهمة... لكنها وحدها لا تكفي.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 5