تشهد مدينة حمص منذ أيام حالة من الجدل الواسع والتفاعل المكثف على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد مقتل معلمة عُرفت بتفانيها في عملها التربوي، وارتبط اسمها بقضية إنسانية حساسة تتعلق بالمعتقلين العسكريين وأوضاع عائلاتهم.
المعلمة، التي تنحدر من إحدى القرى التابعة لمحافظة اللاذقية وتُدرّس في مدرسة بحيّ سبيع رجوب، لقيت حتفها إثر انفجار قنبلة ألقاها مجهولون على منزلها في ضاحية الوليد بمدينة حمص. الحادثة، التي وُصفت بأنها «جريمة غامضة»، أعادت إلى الواجهة ملف المعتقلين العسكريين، خصوصًا أن زوج الضحية، وهو ضابط مهندس، محتجز منذ أشهر في سجن حماة.
بحسب شهادات من ذوي الضحية، كانت قد عادت مؤخرًا إلى منزلها بعد فترة من النزوح ومحاولات من مسلحين للاستيلاء عليه، قبل أن تتعرض للهجوم الذي أودى بحياتها وأصاب إحدى قريباتها بجروح.
تفاعل واسع وغضب على مواقع التواصل
انتشر وسم يحمل اسم المعلمة على منصات التواصل، ليتحوّل إلى مساحة للتعبير عن الغضب والحزن، وكذلك للمطالبة بإطلاق سراح زوجها المعتقل. وشاركت زوجات معتقلين آخرين في الحملة، معتبرات أن استمرار احتجاز أزواجهن دون محاكمة يشكل «ظلماً مزدوجاً» بحق العائلات التي فقدت معيلها.
وتقول إحدى المشاركات في الحملة: «ما نطالب به ليس أكثر من العدالة. أزواجنا خدموا في الجيش ولم يرتكبوا أي جرم، ومع ذلك يُحتجزون منذ أشهر دون توضيح أو محاكمة».
في المقابل، يرى آخرون أن إطلاق سراح المعتقلين يجب أن يخضع لإجراءات قانونية واضحة، محذرين من أن الاستجابة لضغط الشارع قد تفتح الباب أمام فوضى قضائية. ويقول أحد المحامين من حمص: «التحقيق في ملفات المعتقلين يحتاج إلى شفافية، لكن لا يجوز التسرع في إطلاق سراح أي موقوف قبل التثبت من موقفه القانوني».
اتهامات للجنة السلم الأهلي وانتقادات للوعود المؤجلة
ووجّهت زوجات المعتقلين انتقادات حادة إلى لجنة «السلم الأهلي» في المدينة، متهمات إياها بعدم الوفاء بوعودها المتعلقة بمتابعة ملف المحتجزين الذين أُوقفوا خلال الخدمة العسكرية. وطالبن بإعلان نتائج التحقيقات في أسباب استمرار احتجازهم، خصوصاً بعد ورود معلومات عن تعرض بعضهم للتعذيب النفسي والجسدي.
في المقابل، التزمت اللجنة الصمت حيال تلك الاتهامات، فيما نقل مقربون عنها أنها «تتابع الملف بصمت حرصًا على سير الإجراءات القانونية دون تسييس القضية».
أوضاع معيشية قاسية وقلق اجتماعي متزايد
تواجه عائلات المعتقلين ظروفًا اقتصادية صعبة، تفاقمت بعد قرارات الفصل التعسفي التي طالت عددًا من زوجاتهم من المؤسسات العامة، ما زاد من معاناتهم في ظل تدهور الوضع المعيشي.
وتقول إحدى قريبات الضحية: «الأسوأ ليس فقط فقدان رهام، بل ما يعانيه أطفالها اليوم من غياب والدهم وغياب أي دعم رسمي».
من جهته، يرى عدد من التربويين أن مقتل المعلمة يعكس هشاشة الوضع الأمني في المدينة، وغياب الحماية للكوادر التعليمية، بينما وصفها آخرون بأنها «ضحية مزدوجة، لكونها سقطت بين عنف السلاح وصمت القانون».
بين الألم والأسئلة المفتوحة
حتى الآن، لم تُعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم، فيما تواصل السلطات التحقيق في ملابسات الجريمة. لكن القضية تجاوزت حدود الجريمة الجنائية، لتتحول إلى قضية رأي عام تتقاطع فيها الأسئلة حول العدالة والأمان والمصير المجهول للمعتقلين.