تسوية اللاذقية.. بين الطمأنينة والخوف

2025.10.27 - 09:43
Facebook Share
طباعة

 أثار قرار وزارة الداخلية في الحكومة السورية ببدء توزيع البطاقات الشخصية للعناصر الذين أجروا “تسوية” في محافظة اللاذقية موجة واسعة من الجدل والمخاوف، بعد أن تحوّل ما اعتبر في البداية “إجراءً مدنياً تنظيمياً” إلى ملف ذي طابع أمني واضح، بحسب ما يتداوله أهالي المنطقة ومراقبون محليون.

فالوزارة كانت قد أعلنت عن فتح باب التقديم للحصول على بطاقات الهوية الجديدة للمستفيدين من عمليات “التسوية”، محددة مواعيد لاستقبال الطلبات. غير أن الصيغة التنفيذية للقرار — التي تقضي بإصدار البطاقات داخل مخافر الشرطة بدلاً من مديريات النفوس كما جرت العادة — أثارت الريبة بين المتقدّمين، الذين رأوا في ذلك خطوة “غير اعتيادية” تحمل طابعاً أمنياً أكثر منه إدارياً.


اعتقالات في اليوم الأول
تزامناً مع بدء استقبال الطلبات، تحدثت مصادر محلية عن حملة توقيفات طالت عدداً من المتقدّمين للحصول على البطاقات. وتشير المعلومات إلى أن 14 شخصاً على الأقل تم اعتقالهم في اليوم الأول، بينهم ضابط سابق برتبة نقيب خدم في سلاح الدفاع الجوي بمطار الشعيرات، وذلك بذريعة “استكمال البيانات” أو “مراجعة أمنية”.

أحد شهود العيان قال إن “عدداً من الأشخاص تم اقتيادهم فور انتهاء المقابلة داخل المخفر، من دون توضيح الأسباب أو تحديد وجهتهم”. وأضاف أن “الخوف بدأ ينتشر بين الأهالي، ما دفع الكثيرين إلى التراجع عن تقديم الطلبات، رغم حاجتهم الماسة للبطاقة المدنية لإتمام معاملاتهم”.


وجهتا نظر متقابلتان
من جانبها، تؤكد مصادر حكومية أن الإجراء الجديد يهدف إلى تنظيم عملية التسوية وتحديث بيانات الأفراد، لا سيما أولئك الذين كانت لهم أنشطة أو خدمات سابقة في مناطق مختلفة. وتوضح أن “نقل عملية الإصدار إلى المخافر جاء لتسريع الإجراءات والتدقيق في الهوية الأمنية، منعاً لأي تلاعب أو تزوير”.

في المقابل، يرى عدد من المتقدّمين أن ما يجري لا يعبّر عن تسوية حقيقية، بل عن “إعادة فرز أمني” للعائدين والمفرج عنهم. يقول أحدهم: “أُبلغنا بأننا خضعنا لتسوية شاملة تتيح لنا العودة للحياة المدنية، لكننا الآن نُعامل كمشبوهين لمجرد طلبنا بطاقة شخصية”.

بينما يعتبر آخرون أن الحكومة “تحاول عبر هذا الإجراء التأكد من ولاء الأشخاص الذين عادوا من التسويات”، وأن الهدف ليس العقاب بل المراقبة المستمرة لضمان الاستقرار في المنطقة الساحلية الحساسة.


لجنة السلم الأهلي في الواجهة
وتشير مصادر محلية إلى أن لجنة السلم الأهلي في محافظة اللاذقية تتولى الإشراف المباشر على هذا الملف، بصفتها الجهة الراعية لبرامج “المصالحة والتسوية”. وقد أعلنت اللجنة عن “تسهيلات” للراغبين في استصدار البطاقات، إلا أن الدور الأمني الموازي خلق التباساً حول طبيعة مهمتها وحدود صلاحياتها.

عضو سابق في اللجنة — رفض الكشف عن اسمه — قال إن “اللجنة تعمل بالتنسيق مع الأجهزة المختصة لتأمين البيانات وضمان عدم عودة أي عنصر سابق إلى النشاط العسكري خارج إطار الدولة”، مشيراً إلى أن “النية ليست التضييق، بل ضبط العملية”.

في المقابل، يرى ناشطون مدنيون أن ربط المسائل المدنية بالإجراءات الأمنية “يُفقد التسوية معناها”، لأن “البطاقة الشخصية حق مدني بحت، لا يجب أن يخضع لأي اشتراطات أمنية”.


مخاوف ممتدة وانعدام ثقة
تعيش شريحة واسعة من أبناء اللاذقية — خصوصاً الذين شملتهم التسويات — حالة من القلق والترقب، إذ يخشون أن تتحول عملية الحصول على الهوية إلى وسيلة للانتقاء أو المراقبة.

تقول إحدى السيدات من ذوي المفرج عنهم: “كنا ننتظر البطاقة بفارغ الصبر كي نثبت أن حياتنا عادت طبيعية، لكننا الآن نخاف من الذهاب لتقديم الأوراق”.

وبين التصريحات الرسمية التي تتحدث عن “تحديث إداري” والتقارير التي تتحدث عن “إجراءات أمنية موسعة”، يبقى ملف البطاقات المدنية في اللاذقية معلقاً بين الوعود والمخاوف، في وقت يبحث فيه كثيرون عن تأكيد عملي بأن التسوية ليست مجرد وثيقة شكلية، بل خطوة فعلية نحو إعادة الاندماج في المجتمع.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 4