ريف حمص يشتعل من جديد: مداهمات “الأمن العام” تفتح جرح الطائفية

2025.10.27 - 10:09
Facebook Share
طباعة

خيّم الذعر على أحياء وقرى ريف حمص الغربي خلال الساعات الماضية، عقب اعتقال خمسة أشخاص من أبناء الطائفة العلوية، بينهم ثلاثة أشقاء ووالدهم، على يد قوات الأمن العام التابعة للحكومة الانتقالية السورية، في حادثة أثارت توتراً اجتماعياً واسعاً واتهامات بممارسات ذات طابع طائفي.

مداهمة عنيفة واتهامات بالاعتداء

ووفق ما أفاد به “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، فإن قوة من الأمن العام اقتحمت بلدة تلكلخ، مستخدمة أصوات المركبات والسلاح لترهيب الأهالي، قبل أن تعتقل الرجال الخمسة وتعتدي على النساء في أثناء المداهمة.
كما ذكر المرصد أن عناصر القوة كسّروا محتويات منزل عائلة المعتقلين الثلاثة، ووجّهوا شتائم طائفية علنية للطائفة العلوية، ما أثار حالة غضب واستياء حادّ داخل البلدة ذات الغالبية العلوية.

هذه الحادثة ليست الأولى، إذ سبق للمرصد أن وثّق في 11 أيلول الماضي عملية مشابهة في قرية عين السودا التابعة لتلكلخ، استخدم فيها الأمن العام الرصاص العشوائي، ورافقها خطاب طائفي وتصرفات مسيئة للسكان المحليين.

من حادثة مداهمة إلى أزمة هوية محلية

تلكلخ، التي تقع على الحدود اللبنانية، لطالما كانت منطقة تماس بين الولاءات المتضاربة في الصراع السوري، تجمع سكاناً من مختلف المذاهب والطوائف، وتُعتبر نقطة حساسة في التوازنات الأمنية بين القوات الحكومية، والفصائل المحلية، والمجموعات التابعة لما يُعرف بـ“الحكومة الانتقالية”.

ويرى باحثون سوريون أن ما يجري في تلكلخ يتجاوز مجرد مداهمة أمنية، إذ يُظهر تحولاً في سلوك الأجهزة التابعة للمعارضة المسلحة في مناطق سيطرتها، من ممارسات “انضباطية” إلى خطوات ذات طابع انتقامي أو طائفي.

إذ إن استهداف أفراد من الطائفة العلوية، في منطقة مختلطة كهذه، يعيد فتح ملف الانقسام الطائفي المسكوت عنه في ريف حمص، الذي كان خلال السنوات الماضية نموذجاً هشّاً لـ“التعايش القسري” بعد تراجع حدة المعارك المباشرة.

البُعد الطائفي في المشهد السوري

الحادثة الأخيرة تأتي في سياق تزايد مؤشرات التوتر الطائفي في مناطق وسط سوريا، في ظل تراجع دور الدولة المركزي وضعف الرقابة الأمنية الرسمية، وازدياد نفوذ قوى محلية متباينة الولاءات.
فبينما يُتهم “الأمن العام” التابع للحكومة الانتقالية بممارسة انتهاكات ممنهجة ضد القرى العلوية والمسيحية، تتهم مجموعات موالية لدمشق في المقابل بالتضييق على سكان القرى السنية في الريف الجنوبي، ما يعكس استمرار الصراع الهويّاتي تحت السطح رغم توقف المعارك الواسعة.

مثل هذه الحوادث تضرب أي إمكانية حقيقية للمصالحة المجتمعية في المناطق الوسطى من سوريا، التي كانت تاريخياً منطقة التقاء لا مواجهة.

 

التصعيد في ريف حمص الغربي لا يمكن فصله عن التحولات في موازين القوى شمالاً وشرقاً. فمع انشغال دمشق بإدارة ملفات الشرق والجنوب، تبدو المناطق الوسطى مكشوفة أمام الفراغ الأمني وتعدد مراكز القرار.
وفي الوقت ذاته، تستغل بعض القوى المحلية ذلك لتوجيه رسائل سياسية إلى دمشق أو إلى حلفائها الإقليميين، عبر افتعال توترات محدودة تحمل دلالات أوسع.

كما أن الامتداد الجغرافي لتلكلخ باتجاه الحدود اللبنانية يجعلها منطقة شديدة الحساسية، إذ تمر عبرها شبكات تهريب ونقل سلاح، ما يدفع كل طرف إلى تعزيز حضوره الأمني فيها بحجة “الضبط”، وهو ما يفتح الباب لممارسات ميدانية عنيفة كتلك التي شهدتها البلدة.

ردود فعل وغضب شعبي

حتى ساعة إعداد التقرير، لم يصدر تعليق رسمي من الحكومة الانتقالية أو فصائلها المسلحة بشأن الواقعة، فيما انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي دعوات من ناشطين علوية وسنية إلى “عدم الانجرار وراء الفتنة الطائفية”، وسط مخاوف من ردود فعل انتقامية أو تحركات مسلحة محلية في الأيام المقبلة.

ريف حمص على حافة الاشتعال

تُبرز أحداث تلكلخ أن النسيج الاجتماعي في ريف حمص الغربي لا يزال هشًّا، وأن أي تجاوز طائفي أو سلوك أمني منفلت قد يشعل دوامة جديدة من الفوضى في منطقة لطالما كانت صمّام أمان بين الشرق والغرب السوري.

وفي الوقت الذي تحاول فيه دمشق الظهور بمظهر السلطة المستقرة، فإن مثل هذه الانتهاكات — سواء صدرت عن أجهزتها أو خصومها — تعكس استمرار تفكك مؤسسات الضبط، وتآكل الثقة بين المكونات المحلية.
إنها ليست مجرد مداهمة أمنية، بل جرس إنذار مبكر بأنّ الاستقرار الظاهري في سوريا لا يزال هشًّا، ومهدداً بانفجارات طائفية صغيرة قد تتدحرج سريعاً إلى صراع واسع. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 6