تصعيد جديد في الحسكة.. مدارس الكنائس بين قرارين متناقضين

2025.10.29 - 09:09
Facebook Share
طباعة

 
تسود أجواء من التوتر في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، عقب تلويح "الإدارة الذاتية" بالاستيلاء على المدارس والمعاهد التابعة للكنائس المسيحية، في حال استمرارها بتدريس المناهج الحكومية السورية، وسط استياء واسع من رجال الدين والمجتمع المحلي الذين اعتبروا القرار مساساً بحرية التعليم واستهدافاً للوجود المسيحي في المنطقة.

جاء هذا التصعيد خلال اجتماع عُقد في مدينة الحسكة، جمَع مسؤولي هيئة التربية التابعة للإدارة الذاتية مع وفد من رجال الدين المسيحي برئاسة المطران مار موريس عمسيح، مطران أبرشية الجزيرة والفرات للسريان الأرثوذكس. وخلال الاجتماع، أعلن ممثلو الهيئة رفضهم القاطع لتدريس مناهج الدولة السورية داخل المدارس الكنسية، مؤكدين أن السماح بإعادة افتتاح تلك المدارس مشروط بالالتزام الكامل بمناهج "الإدارة الذاتية".

 

انسحاب احتجاجي وتصعيد في الموقف

وفق ما أفادت به مصادر كنسية، فقد انسحب وفد المطرانية من الاجتماع احتجاجاً على ما وصفوه بـ"الأسلوب غير اللائق" في التعامل معهم، معتبرين أن قرار الإدارة الذاتية يمثل "تعدياً واضحاً على صلاحيات الكنائس" وتدخلاً في شؤونها التعليمية والدينية.

وأشار المصدر إلى أن هذا التطور جاء بعد وعود سابقة من قيادات في "قوات سوريا الديمقراطية" وعلى رأسهم مظلوم عبدي، لحل الخلاف بطريقة تفاوضية تحفظ استقلالية المؤسسات التعليمية الكنسية، إلا أن تلك الوعود لم تجد طريقها إلى التنفيذ.

 

بيان مرتقب وتحركات دبلوماسية

من المتوقع أن تصدر المطرانية بياناً رسمياً خلال الأيام القادمة، لتوضيح موقفها من قرار الهيئة، وطرح سلسلة خطوات تصعيدية تشمل التواصل مع جهات دولية ومحلية للضغط على الإدارة الذاتية من أجل التراجع عن تهديداتها.

وتؤكد الكنيسة، بحسب المصادر، أن القرار يهدد مستقبل آلاف الطلاب الذين يعتمدون على مدارسها في تلقي التعليم النظامي المعترف به، خاصة بعد إغلاق المدارس الحكومية والخاصة في المحافظة منذ مطلع العام الدراسي الجاري.

 

حملة إغلاقات متتالية

خلال الأسابيع الماضية، شنت الإدارة الذاتية حملة واسعة ضد المعاهد والمدارس الخاصة في الحسكة، حيث أغلقت أكثر من 80 معهداً تعليمياً، ومنعت تدريس مناهج وزارة التربية السورية فيها، تحت طائلة المساءلة القانونية.

وقال أحد مديري المعاهد في المدينة إن القرار أدى إلى توقف العملية التعليمية لآلاف الطلاب، محذراً من "كارثة تربوية واجتماعية" إذا لم يتم إيجاد حل عاجل يضمن استمرار التعليم بعيداً عن الخلافات السياسية.

 

قرار قديم يعود إلى الواجهة

ليست هذه المرة الأولى التي تصدر فيها الإدارة الذاتية قرارات مماثلة. ففي عام 2022، حظرت الهيئة تدريس مناهج الدولة السورية في جميع المدارس والمعاهد الخاصة الواقعة ضمن مناطق سيطرة "قسد"، وفرضت عقوبات مالية وسجنية بحق المخالفين، قبل أن تتراجع جزئياً تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية.

غير أن عودة الحظر بشكل كامل هذا العام أثارت تساؤلات حول نوايا الإدارة الذاتية في فرض نموذجها التعليمي على جميع مكونات المنطقة، بما في ذلك المؤسسات الدينية، وهو ما تعتبره الكنائس تهديداً لخصوصيتها الثقافية والدينية.

 

غموض المشهد المقبل

حتى الآن، لم تصدر الإدارة الذاتية توضيحاً رسمياً حول ما إذا كانت ستنفذ تهديدها فعلياً بالاستيلاء على المدارس الكنسية، إلا أن المؤشرات تشير إلى مواجهة مفتوحة قد تعيد إلى الأذهان أزمات التعليم السابقة في مناطق سيطرتها.

ويرى مراقبون أن القضية تتجاوز البعد التعليمي، لتصل إلى صراع على النفوذ والهوية في منطقة تتشابك فيها المصالح السياسية والقومية والدينية، وسط غياب رؤية واضحة تضمن حق التعليم لجميع أبناء المحافظة، بعيداً عن الضغوط والإملاءات.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 6