في خطوة وُصفت بأنها الأجرأ منذ توليه الحكم، وجّه الرئيس السوري أحمد الشرع ضربة قوية إلى أركان دائرته المقرّبة، بعدما أصدر أوامر بإغلاق مكتب شقيقه الأكبر جمال في وسط دمشق، وتجريد عدد من موظفي الدولة من سياراتهم الفارهة، في إطار حملة شاملة ضد الكسب غير المشروع.
وكشفت وكالة رويترز في تقرير خاص أن الشرع، خلال اجتماع مغلق في 30 أغسطس الماضي، وبّخ عدداً من كبار المسؤولين ورجال الأعمال المقرّبين، متسائلاً بسخرية: "لم أكن أعلم أن رواتب الحكومة بهذه الضخامة!"، في إشارة إلى الثراء الفاحش الذي بدأ يظهر على بعض المحيطين به بعد عامين من تولّيه السلطة.
وأفادت مصادر حضرت الاجتماع، الذي عُقد في محافظة إدلب بعيداً عن القصر الرئاسي في دمشق، بأن الرئيس أمر المسؤولين المدنيين الذين يملكون سيارات فاخرة بتسليم مفاتيحها فوراً، مهدّداً بفتح تحقيقات بتهمة الكسب غير المشروع لمن يرفض الامتثال. لكنّ عددًا قليلاً فقط استجاب للأمر في حينه، وسط دهشة وارتباك داخل القاعة.
تحوّل في نهج السلطة الجديدة
يرى مراقبون أن هذه الخطوة تحمل دلالات رمزية قوية، إذ تمثل اختباراً لمدى قدرة الشرع على الانتقال من زعيم ثوري قاد تمرداً مسلحاً ضد النظام السابق، إلى رئيس دولة يسعى لترسيخ الحكم المدني ومكافحة الفساد الذي نخر مؤسسات الدولة لعقود.
وبحسب مصادر سورية، فإن الرئيس البالغ من العمر 43 عاماً يحاول جاهداً الحفاظ على الشرعية الثورية والشعبية التي اكتسبها بعد الإطاحة بنظام الأسد، في وقت تتزايد فيه مؤشرات عودة نفوذ رجال الأعمال والمستثمرين القدامى إلى الواجهة.
الفساد يطال العائلة
في تطور لافت، امتدت حملة الشرع إلى أفراد من عائلته. فقد أكدت ستة مصادر مطلعة أن شقيقه الأكبر جمال، الذي أدار مكتباً تجارياً في دمشق بعد صعود الرئيس إلى السلطة، أصبح هدفاً مباشراً للحملة بعد ورود معلومات عن استغلاله اسمه في صفقات تجارية مشبوهة واجتماعات مع رجال أعمال ومسؤولين حكوميين لتحقيق مكاسب خاصة.
وأوضحت وزارة الإعلام السورية في تصريح لـ"رويترز" أن المكتب أُغلق رسمياً وخُتم بالشمع الأحمر، مؤكدة أن جمال الشرع "لا يشغل أي منصب رسمي" ولا يُسمح له بالعمل في مجالات الاستثمار أو التجارة.
عقب هذه الخطوة، عقد الرئيس اجتماعاً عائلياً في منزل والده البالغ من العمر 79 عاماً، حذر خلاله أقاربه من "استغلال اسم العائلة لتحقيق مكاسب شخصية"، في إشارة واضحة إلى سعيه لفصل السياسة عن المصالح العائلية.
محاولات إصلاح محفوفة بالمخاطر
في المقابل، رأت مصادر حكومية أن حملة الشرع تواجه تحدياً مزدوجاً: من جهة، يسعى لإثبات جديته في مكافحة الفساد وإعادة هيكلة الاقتصاد، ومن جهة أخرى يحاول تهدئة رجال الأعمال الذين يخشون خسارة امتيازاتهم أو ملاحقتهم.
ويشير التقرير إلى أن الحكومة السورية تعمل حالياً على تنظيم التسويات المالية مع شخصيات مرتبطة بالنظام السابق، بحيث يتم السماح لهم بالعودة إلى النشاط الاقتصادي مقابل التنازل عن جزء من ممتلكاتهم لصالح الدولة. وتم تأسيس لجنة لمكافحة الكسب غير المشروع في مايو الماضي، تمهيداً لتحويل الأصول المصادرة إلى صندوق سيادي جديد، يضم مئات الشركات والمباني والمصانع.
غير أن هذه اللجنة نفسها أصبحت موضع شبهات، بعد توقيف محاميين من فريقها بتهم تتعلق بالفساد وسوء السلوك، وهو ما أكدته وزارة الإعلام، مشيرة إلى أن التحقيقات لا تزال جارية دون توجيه اتهامات رسمية حتى الآن.
رسالة داخلية وخارجية
بحسب محللين، فإن الإجراءات التي اتخذها الشرع لا تقتصر على مكافحة الفساد فحسب، بل تحمل أيضاً رسائل سياسية مزدوجة. داخلياً، يريد الرئيس الجديد أن يبرهن على أنه لا يخضع لسطوة المال أو النفوذ العائلي، وخارجياً يسعى إلى طمأنة الدول الغربية التي تربط المساعدات الاقتصادية بإصلاحات حقيقية في الحكم والإدارة.
كما يرى خبراء أن إغلاق مكتب جمال الشرع وتوبيخ كبار المسؤولين يشكلان إعلاناً رمزياً عن نهاية "حقبة المحسوبية" التي ميّزت الدولة السورية خلال حكم الأسد، وإن كان الطريق إلى إصلاح حقيقي ما زال طويلاً ومعقداً.
بين شعارات الثورة ومقتضيات الحكم، يسير أحمد الشرع على حبل مشدود بين المثالية والواقعية. فبينما يسعى إلى بناء دولة جديدة خالية من إرث الفساد والاستبداد، تظل التحديات البنيوية والاقتصادية والأمنية كفيلة بتقويض أي إصلاح إن لم يُترجم بخطوات مؤسسية راسخة.
وفي ظل مراقبة دولية حثيثة لما يجري في دمشق، يبدو أن الرئيس الشاب يحاول أن يثبت أن الثورة لم تنتهِ بانتصارها العسكري، بل بدأت الآن معركة الشرعية والنزاهة.