شهد جنوب سوريا خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر تصعيدًا غير مسبوق في التحركات الإسرائيلية، حيث سجّلت المنطقة أكثر من 40 عملية توغل داخل محافظتي القنيطرة ودرعا، رافقها اعتقال ثمانية أشخاص بينهم طالب جامعي أُفرج عنه لاحقًا، في مؤشر على تحول واضح في السياسة الميدانية الإسرائيلية نحو فرض واقع أمني جديد في المنطقة العازلة المتاخمة للجولان السوري المحتل. وتنوعت الأنشطة الميدانية ما بين دخول القرى والبلدات، نصب الحواجز المؤقتة، عمليات تفتيش ومداهمة، تجريف أراضٍ وفتح طرق جديدة، وزرع ألغام، بالتزامن مع تحليق مكثف للطائرات الحربية والمسيّرة واستنفار دائم على طول الشريط الحدودي.
وشملت التحركات الإسرائيلية قرى وبلدات عدة من بينها عين زيوان، كودنة، المعلقة، جباتا الخشب، بريقة، الحميدية، الصمدانية، وأوفانيا، حيث نفذت القوات دوريات وعمليات تفتيش ميدانية متكررة، وأقامت نقاط مراقبة مؤقتة داخل الأراضي السورية بعمق متفاوت. كما شهدت الأيام المتتالية من الشهر سلسلة من الاعتقالات والمداهمات، كان أبرزها في بلدات جملة وصيدا الحانوت ومعرية، إضافة إلى إصابة مدني برصاص الجيش الإسرائيلي أثناء جمعه الحطب في ريف القنيطرة الشمالي.
وفي منتصف الشهر، تصاعدت وتيرة التوغلات مع دخول أرتال تضم دبابات وآليات هندسية إلى محيط بلدات الصمدانية وأوفانيا والمشيرفة، بالتزامن مع إطلاق قنابل مضيئة وتحليق مكثف للطائرات في أجواء ريف القنيطرة. وتكررت الحوادث المماثلة في خان أرنبة وطرنجة وريف درعا الغربي، تخللها عمليات تجريف واسعة في محمية جباتا الخشب، وفتح طرق جديدة تصل بين المواقع العسكرية الإسرائيلية ومناطق التماس داخل الأراضي السورية.
كما نفّذت القوات الإسرائيلية خلال الفترة بين 20 و30 تشرين الأول سلسلة مناورات عسكرية بالذخيرة الحية في الجولان المحتل، أطلقت خلالها قذائف مدفعية من قاعدة تل الأحمر، بالتوازي مع تنفيذ أعمال هندسية ضمن ما يُعرف بـ"مشروع صوفا 53" الممتد من أم العظام والقحطانية وصولًا إلى منحدرات جبل الشيخ، والذي يهدف إلى إنشاء ممر عسكري محصّن داخل الأراضي السورية لتعزيز السيطرة الميدانية وتأمين الحدود.
وفي الأيام الأخيرة من الشهر، تصاعدت التحركات النوعية داخل ريف القنيطرة الغربي، حيث توغلت دبابات وآليات عسكرية في بلدات الحميدية، بئر عجم، والصمدانية، وأقامت نقاط تفتيش على الطرق العامة، في حين شهدت المنطقة تحليقًا مكثفًا للطائرات المسيّرة ومصادرة عدد من الدراجات النارية من المدنيين. كما نفّذت القوات الإسرائيلية أعمال حفر وفتح طرق بالقرب من مواقع تابعة للأمم المتحدة، في مؤشر إضافي على رغبة إسرائيل بترسيخ وجودها الميداني الدائم في المنطقة العازلة.
ويُظهر تحليل مجمل التحركات خلال شهر تشرين الأول أن إسرائيل تتبع استراتيجية تدريجية تقوم على التمدد الميداني المتدرّج وفرض قواعد اشتباك جديدة، مع تعزيز نقاط المراقبة والدوريات داخل الشريط الحدودي السوري. ويُرجَّح أن هدف هذه التحركات ليس فقط منع التسلل أو نشاط الجماعات المسلحة، بل أيضًا خلق منطقة أمنية خالية من التهديدات المستقبلية قد تُستخدم كورقة ضغط في أي تسوية إقليمية قادمة.
ويحذر مراقبون من أن استمرار هذا التصعيد دون ردع فعلي قد يؤدي إلى تثبيت واقع جديد في جنوب سوريا، خصوصًا مع غياب ردود واضحة من الأطراف الدولية المعنية. كما أن الاعتقالات المتكررة وزرع الألغام والتوغلات داخل الأراضي السورية تشكل خرقًا واضحًا لقرارات الأمم المتحدة واتفاق فصل القوات الموقع عام 1974.
وبينما تلتزم دمشق الرسمية الصمت حيال التصعيد الأخير، تبقى مناطق ريف القنيطرة ودرعا الغربية تحت ضغط أمني متواصل، مع مخاوف من أن تتحول المنطقة العازلة إلى ساحة مفتوحة لإعادة رسم التوازنات الميدانية على حساب السيادة السورية واستقرار السكان المحليين.