يمثل مستقبل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال وشرق سوريا أحد أكثر الملفات تعقيدًا وحساسية، إذ يتقاطع فيه النفوذ المحلي مع الضغوط الإقليمية والدولية. ويأتي اتفاق 10 من آذار بين دمشق وقيادة "قسد" كوثيقة محورية، لكن تطبيقه العملي ما يزال موضع تساؤل حول إمكانية تحوّله إلى مجرّد "حبر على ورق".
البنود العالقة والتحديات العملية
بعد توقيع الاتفاق، لم تظهر مؤشرات واضحة على رغبة "قسد" بتنفيذ بنوده، لا سيما بند الدمج العسكري.
أوردت وسائل إعلام كردية أن "قسد" وضعت قائمة بأسماء قياديين شاركوا في القتال ضد تنظيم "داعش"، مع تحديد 3 فرق ستُدمج في الجيش السوري، وسلمت قوائم مماثلة إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
المحللون يرون في هذا الإجراء رغبة من "قسد" بالحفاظ على وجود ضامن دولي بعد الدمج، ما يعني إخضاع وزارة الدفاع السورية لرقابة أمريكية غير مباشرة.
الناشط السياسي وليد ملا محمد يؤكد أن "قسد" لا ترغب في الدمج الكامل، بل تسعى للحصول على حصّة ضمن وزارة الدفاع تابعة لها بضمانات دولية، مع استمرار إدارة المرافق الحيوية تحت سلطتها.
أما بند دمج المؤسسات المدنية والعسكرية، فكان الهدف منه توحيد أجهزة الدولة في مناطق سيطرة "قسد"، بما يشمل المعابر والموارد النفطية والغازية، لكنها لم تنفذ، ما جعلها العقبة الأبرز أمام نجاح الاتفاق.
وبخصوص بند وقف إطلاق النار، تشير الأحداث في حلب ودير الزور إلى هشاشة التفاهم وغياب الثقة بين الطرفين، ما يزيد احتمالية أن يتحول الاتفاق إلى وثيقة معطلة ما لم تُمارس ضغوط خارجية أو داخلية على "قسد".
العوامل المؤثرة والرهانات الإقليمية
يتركز نفوذ "قسد" على مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية:
القرار السياسي والعسكري لا يصدر دائمًا عن قيادات محلية، بل يخضع لتأثير شخصيات مرتبطة بتنظيم PKK، ما يفسر ممانعتها تجاه خطوات تقلص نفوذها.
وجود القوات الأمريكية يشكل مظلة حماية ضد الضغوط التركية ودمشق، ويتيح لها التملّص من البنود الحساسة، مثل تسليم السلاح وإدارة الموارد.
تركيا تمثل العامل الحاسم، مع استمرار التلويح بعمليات عسكرية وطلب تسليم السلاح، ما يضع "قسد" أمام خيار البقاء تحت الحماية الأمريكية أو العودة إلى دمشق بشروط صارمة.
مواقف دمشق و"قسد"
الباحث محمد سليمان يرى أن "قسد" تسعى لتعديل بعض بنود الاتفاق عبر زيارات متكررة لدمشق، لكنها تُظهر عمليًا ميلاً لتعطيل الملفات الأساسية، مثل التعليم والإدارة المحلية والموارد النفطية.
دمشق تتعامل مع الاتفاق كملف بعيد المدى، تفضّل استثمار الوقت لإعادة تأهيل مؤسساتها وكوادرها، وتحسين بيئة سياسية وأمنية تمكنها لاحقًا من استعادة السيطرة دون الالتزام الكامل بالاتفاق.
السيناريوهات المحتملة
من المرجح أن يبقى اتفاق 10 من آذار معلقًا من دون تنفيذ فعلي للبنود الجوهرية، مع استمرار مفاوضات داخلية مغلقة لا تنتج حلولًا سياسية ملموسة.
السيناريو الأكثر احتمالًا: اندماج جزئي لـ"قسد" ضمن مؤسسات الدولة السورية تحت ضغط تركي متصاعد، وفق شروط دمشق التي ترفض أي شكل من أشكال الفيدرالية، خاصة إذا انسحبت القوات الأمريكية أو حدث تفاهم ثلاثي تركي-سوري-روسي ينهي الوجود الأمريكي.
الوضع الراهن سيستمر ضمن معادلة "لا سلم ولا حرب"، مع وقوع اشتباكات متقطعة دون مواجهة شاملة، إذ لا ترغب دمشق بفتح جبهة جديدة مع قوة مدعومة أمريكيًا، ولا تميل "قسد" إلى التخلي عن مناطق نفوذها.
ويخلص الباحث محمد سليمان إلى أن الاتفاق، رغم توقيعه في لحظة سياسية مواتية، لم يستند إلى إرادة حقيقية لتطبيقه على الأرض، ما يرفع احتمال تحوّله إلى "حبر على ورق".