لم تخرج اللجنة الوزارية المكلفة درس التعديلات على قانون الانتخاب الحالي بنتائج حاسمة، لتعود مسألة تعديل القانون إلى نقطة البداية، بعد جلسة مطوّلة عُقدت أمس في السرايا الحكومية، شارك فيها نائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري ووزراء الخارجية يوسف رجّي، العدل عادل نصّار، التكنولوجيا كمال شحادة، العمل محمد حيدر، والإعلام بول مرقص.
وبحسب ما أفادت به مصادر وزارية لـ«الأخبار»، انتهى الاجتماع إلى الاتفاق على رفع كل وزير اقتراحه الخاص إلى مجلس الوزراء، ليُناقش في الجلسة المقبلة، دون التوصل إلى صيغة موحدة للتعديل، وهو ما اعتبره مراقبون «عودة إلى المربع الأول»، لأن اللجنة أعادت عمليًا الملفات نفسها التي كُلّفت بدراستها.
اقتراحات متكرّرة وانقسام سياسي واضح
وتبيّن أن المقترحات التي خرجت بها اللجنة ليست جديدة، إذ تعيد طرح مشروع وزير الخارجية يوسف رجّي الرامي إلى إلغاء المقاعد الستة المخصصة للمغتربين، ومشروع وزير الداخلية الذي يدعو إلى إلغاء «البطاقة الممغنطة»، في مقابل تمسك وزراء حزب الله وحركة أمل بالإبقاء على القانون النافذ من دون أي تعديل.
مصادر سياسية اعتبرت أن الحكومة أحالت هذه المقترحات إلى اللجنة كخطوة لتخفيف التوتر داخل مجلس الوزراء، إلا أن اللجنة بدورها أعادت المقترحات نفسها للحكومة، تمهيدًا لبحثها في جلسة الخميس المقبل.
محاولة لتجنّب الانفجار الحكومي
وتشير المعلومات إلى أن ما قام به رئيسا الجمهورية جوزيف عون والحكومة نواف سلام خلال الجلسة السابقة كان هدفه الأساسي كسب الوقت ومنع تفجّر الخلاف داخل الحكومة، خصوصًا بعد تلويح وزراء القوات اللبنانية بالانسحاب إذا لم يُبحث مشروع الوزير رجّي، في وقت أصرّ الرئيس عون على تأجيل النقاش إلى نهاية الجلسة.
وقال وزير العمل محمد حيدر لـ«الأخبار» إنه تحدث باسم «الثنائي الشيعي» المدعوم من رئيس مجلس النواب نبيه بري، مؤكدًا تمسك الكتلة الوزارية بتطبيق القانون الحالي «بكامل بنوده ومن دون أي تعديل». وأضاف أن الوزراء «عرضوا آراءهم خلال الجلسة، وتم رفعها إلى مجلس الوزراء، خلافًا لما روّجته بعض وسائل الإعلام عن وجود أزمة أو فرض اقتراحات بالقوة».
إعادة الملف إلى مجلس النواب
مصادر وزارية أخرى توقعت أن يُصار إلى دمج مشروعَي رجّي والحجار ضمن صيغة واحدة تُحال إلى مجلس النواب، في مسعى من رئيس الحكومة نواف سلام لإبعاد الملف الخلافي عن مجلس الوزراء، وإلزام السلطة التشريعية بتحمّل مسؤوليتها في الحسم.
وبذلك، تصبح الكرة في ملعب رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي يملك صلاحية إدراج المشروع على جدول أعمال الجلسة العامة أو إحالته إلى اللجنة النيابية الفرعية التي تتابع النقاشات حول تعديلات قانون الانتخاب.
وتشير المصادر إلى أن تعطيل نصاب الجلسة التشريعية مرتين متتاليتين أعطى بري مبررًا لعدم الدعوة إلى جلسات جديدة، تحت شعار «من لا يريد التشريع، فليتحمّل مسؤوليته».
جلسة وحيدة مرتقبة للموازنة
وتتحدث معطيات برلمانية عن أن الجلسة التشريعية الوحيدة التي سيُدعى إليها قريبًا ستكون مخصصة لمناقشة مشروع الموازنة العامة فقط، في ظل إدراك الأوساط السياسية لصعوبة التوافق على أي تعديلات انتخابية في الوقت الراهن.
وترى مصادر حكومية أن ما يجري «منسق بالكامل بين الرؤساء الثلاثة» – الجمهورية والحكومة والمجلس – بهدف مزدوج:
أولاً، إعادة القرار المتعلق بالقانون الانتخابي إلى مجلس النواب؛ وثانيًا، منع أي انسحابات حكومية محتملة، خصوصًا من جانب «القوات اللبنانية».
هواجس داخل «القوات اللبنانية»
وتشير المعلومات المتداولة في الأوساط السياسية إلى أن حزب القوات اللبنانية يعيش حالة من التململ داخل الحكومة، إذ تعتبر قيادته أن المشاركة التي بدت في بداية العهد مكسبًا سياسيًا تحولت إلى عبء، بعد تراجع الحضور الشعبي للحزب وعدم قدرة وزرائه الأربعة (الطاقة، الخارجية، الصناعة، والتكنولوجيا) على تحقيق إنجازات ملموسة.
وترى مصادر مطّلعة أن هذا الواقع دفع الرؤساء الثلاثة إلى التنسيق لتخفيف الضغط الحكومي ومنع أي انهيار سياسي جديد، خصوصًا أن أي تعديل في قانون الانتخاب سيعيد فتح سجالات طائفية وسياسية واسعة في مرحلة دقيقة.
في المقابل، يعتبر فريق الثنائي الشيعي أن الإصرار على القانون الحالي يضمن استقرار العملية الانتخابية ويمنع الدخول في صراعات جديدة قبل موعد الاستحقاق النيابي المقبل.
خاتمة: عودة الأزمة إلى نقطة البداية
بهذا الشكل، تكون اللجنة الوزارية قد أعادت كرة النار إلى الحكومة، في مشهد يعكس استمرار الخلافات العميقة حول قانون الانتخاب بين القوى السياسية الأساسية. ومع غياب أي بوادر لتسوية قريبة، تبدو الحكومة أمام اختبار صعب: إما أن تتخذ قرارًا يعيد الانتظام إلى المسار الانتخابي، أو أن تترك الملف في عهدة مجلس النواب ليحسمه وفق حسابات أكثر تعقيدًا.