في ظل تصاعد التوتر على الحدود الجنوبية واشتداد الضغوط الأمريكية والإسرائيلية لدفع بيروت نحو مفاوضات أمنية غير مباشرة، أعلن وزير الدفاع اللبناني ميشال منسى رفضه القاطع لأي تواصل بين الرئيس جوزيف عون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مؤكداً أن "هذا الأمر غير وارد إطلاقاً".
تصريحات منسى جاءت لتضع حداً لما وصفته أوساط لبنانية بأنه محاولة أمريكية جديدة لإدخال لبنان في مسار تطبيع تدريجي تحت عنوان "ضمان الأمن والاستقرار جنوباً"، في وقت يواصل فيه الجيش تنفيذ خطة حصر السلاح بيد الدولة.
آلية "الميكانيزم".. قناة تفاوض غير مباشرة
كشف وزير الدفاع أن لجنة "الميكانيزم"، التي أُنشئت لتطبيق اتفاق وقف الأعمال العدائية ومراقبته، بدأت تكتسب دوراً تفاوضياً قد يمهد لانطلاق مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل.
وأوضح منسى أن هذا التوجه لا يعني انخراطاً سياسياً في تفاوض مباشر، بل يأتي في إطار البحث عن آلية لتهدئة دائمة، بعد أن استنزفت الحرب المستمرة على الحدود الجنوبية قدرات لبنان العسكرية والاقتصادية.
ورغم تأكيده على أهمية تثبيت الأمن والاستقرار، شدد الوزير على أن أي خطوة تفاوضية لن تتجاوز سقف السيادة اللبنانية ورفض التطبيع.
حصر السلاح بيد الدولة.. خطوة حساسة جنوب الليطاني
منسى أوضح أن الجيش اللبناني يواصل تنفيذ خطة "حصر السلاح بيد الدولة" التي أقرها مجلس الوزراء في سبتمبر 2025، مشيراً إلى أن المرحلة الأولى تشمل المنطقة الممتدة من جنوب الليطاني حتى الحدود مع فلسطين المحتلة.
وأكد أن هذه العملية تجري وسط صعوبات ميدانية كبيرة في المناطق الجبلية والوديان، حيث ينفذ الجيش عمليات تفتيش دقيقة للأنفاق ومخازن الأسلحة.
وتابع: "لا يمكن القبول بوجود أكثر من بندقية على الأرض. بندقية الدولة يجب أن تكون الوحيدة"، في إشارة إلى قرار الحكومة القاضي بحصرية السلاح بيد المؤسسة العسكرية.
وتجري عمليات فرز دقيقة للأسلحة المصادرة، إذ يُستفاد من بعضها عسكرياً بينما يُتلف الآخر وفق معايير دقيقة وفي إطار من السرية التامة.
الرد على الضغوط الأمريكية
تعليقاً على تصريحات المبعوث الأمريكي توم براك، الذي دعا الرئيس عون إلى فتح قنوات تواصل مع نتنياهو، ردّ منسى بلهجة حازمة قائلاً:
> "هذا الأمر غير وارد إطلاقاً. نحن في المؤسسة العسكرية أصحاب صمود وثبات".
وأضاف أن الجيش اللبناني سيواصل الدفاع عن السيادة الوطنية في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، مؤكداً أن القوات المسلحة اللبنانية "تقاتل بإمكاناتها المتواضعة ومن لحمها الحي"، وأنها تحتاج إلى دعم دولي لتعزيز قدراتها الدفاعية.
الوضع الميداني في الجنوب
أكد وزير الدفاع أن الخطة الميدانية في الجنوب تُنفذ على مراحل، مشيراً إلى أن الانتقال إلى المرحلة الثانية مرتبط بتقرير يصدر عن قيادة الجيش بعد إنجاز المرحلة الأولى.
وأشار إلى أن النجاح في الجنوب لا يُقاس بالوقت بل بإنجاز المهمة وحماية الأرواح، لافتاً إلى أن الجيش يسعى لتأمين المناطق الحدودية وضبط أي تسلل أو نشاط مسلح خارج سلطة الدولة.
ويأتي ذلك وسط توتر متصاعد على الخط الأزرق، وتكثيف إسرائيل لطلعاتها الجوية فوق الجنوب اللبناني، ما يثير مخاوف من انفجار مواجهة جديدة.
يأتي هذا التصعيد الكلامي والسياسي في ظل وضع داخلي مأزوم، حيث يواجه لبنان أزمة اقتصادية خانقة وانقسامات داخلية حادة بشأن العلاقة مع إسرائيل ودور المقاومة في الجنوب.
وفيما تسعى واشنطن إلى دفع بيروت نحو "تسوية أمنية" على غرار التفاهمات السابقة، تؤكد أوساط لبنانية أن أي خطوة في هذا الاتجاه ستُعد "تنازلاً عن السيادة" واعترافاً ضمنياً بالاحتلال الإسرائيلي المستمر لأراضٍ لبنانية.
تصريحات وزير الدفاع اللبناني لا تبدو مجرد موقف مبدئي، بل رسالة سياسية مزدوجة: للداخل اللبناني بأنها ليست بصدد صدام مع المقاومة، وللخارج – وخصوصاً واشنطن وتل أبيب – بأن أي محاولة لجرّ بيروت إلى مسار تطبيعي ستواجه بالرفض.
وبين "الميكانيزم" الذي يتسلل تحت عنوان الأمن، وخطة نزع السلاح التي تعيد رسم موازين القوى جنوباً، يبدو أن لبنان يقف على خط تماس دقيق بين الحفاظ على سيادته والانخراط في لعبة إقليمية كبرى قد تحدد مستقبله لعقود قادمة.