تعيش قرية “البصة” في ريف اللاذقية على وقع أزمة صحية وبيئية متصاعدة، بعدما تحولت إلى بؤرة لتفشي طفيلي الجرب بين السكان، في ظل غياب شبه تام للخدمات الصحية والبلدية، واستمرار الاعتماد على مكبّ النفايات المجاور للقرية، الذي يوصف محلياً بأنه “قنبلة بيئية موقوتة”.
خلال الأيام الماضية، أطلق المستوصف المحلي في “البصة” نداءً عاجلاً لسكان القرية لاتخاذ أقصى درجات الوقاية، محذراً من خطورة انتشار العدوى في المنازل والمدارس، ومبيناً أعراض المرض وطرق التعامل مع الحالات المصابة. وأكدت الفرق الطبية أن عدد الإصابات في تزايد ملحوظ، وسط ضعف القدرة على الاستجابة أو احتواء الوضع.
ويربط الأهالي تفشي المرض بوجود مكبّ نفايات اللاذقية المركزي بالقرب من منازلهم، حيث تُلقى فيه نفايات المدينة وريفها دون أي معالجة بيئية. ويقول السكان إن الروائح الكريهة والحشرات والجرذان صارت جزءاً من حياتهم اليومية، بينما تحولت المنطقة المحيطة بالمكب إلى بيئة مثالية لتكاثر الطفيليات والأمراض الجلدية والتنفسية.
ويصف أحد أبناء القرية الوضع بأنه “كارثة بيئية وصحية”، موضحاً أن قرب البيوت من المكب أدى إلى تسرب العصارة السامة إلى الأراضي الزراعية والمياه الجوفية، ما زاد من تدهور الوضع الصحي وانتشار الحشرات والبعوض في كل الاتجاهات.
في المقابل، يتحدث الأهالي عن إهمال رسمي واضح، إذ لم تُتخذ أي إجراءات فاعلة من قبل الجهات البلدية أو المحافظة، رغم تكرار الشكاوى والتحذيرات. ويؤكد السكان أن حملات رشّ المبيدات تتم على نحو متقطع وغير منتظم، ولا تلامس حجم الخطر القائم، فيما تغيب أي خطط جدية لنقل المكب أو معالجته بيئياً.
ويخشى الأهالي من أن يؤدي استمرار الوضع الحالي إلى انتقال العدوى إلى طلاب المدارس، ما ينذر بتفاقم المشكلة على نطاق أوسع، خاصة أن طفيلي الجرب يمكن أن يعيش لفترات طويلة داخل البيوت وفي الأثاث والملابس.
وتتزامن هذه الأزمة مع أوضاع معيشية صعبة، إذ يواجه السكان صعوبات في تطبيق أبسط إجراءات الوقاية بسبب ارتفاع أسعار الكهرباء ومستلزمات النظافة، ما يدفع كثيرين للعزوف عن استخدام السخانات أو الغسالات، في وقت يُعد فيه النظافة الشخصية عنصراً أساسياً للحد من انتشار الجرب.
كما يشتكي سكان “البصة” من نقص الأدوية والمراهم الخاصة بعلاج الحالات المصابة، وعدم توفر حملات توعية أو دعم طبي من الجهات المختصة. ويرى كثيرون أن الأزمة الصحية الحالية تمثل إنذاراً بيئياً خطيراً، يهدد ليس فقط القرية وإنما المنطقة بأكملها إذا استمر تجاهلها.
في ظل هذا الواقع، يطالب الأهالي بتحرك عاجل من الجهات المعنية، عبر إغلاق المكب أو نقله إلى منطقة بعيدة عن التجمعات السكنية، وتنفيذ حملة شاملة لمكافحة الحشرات والطفيليات، إلى جانب توفير العلاج المجاني والإمدادات الصحية الكافية.
ويؤكد السكان أن “البصة” تدفع اليوم ثمن الإهمال الإداري، وتحتاج إلى تدخل فعلي قبل أن تتحول الكارثة البيئية إلى وباء يصعب السيطرة عليه.