في خطوة أثارت قلق السكان المحليين، أقامت القوات الإسرائيلية بوابة حديدية على طريق الحميدية – الصمدانية الغربية في ريف القنيطرة الجنوبي، لتضاف إلى بوابة أخرى نصبت خلال الأشهر الماضية في المنطقة. وتعد هذه الخطوة جزءًا من سلسلة من الإجراءات التي يصفها مراقبون بأنها تصعيد في سياسة التضييق على القرى الواقعة قرب الجولان السوري المحتل.
تسببت البوابات الجديدة في عزلة بعض القرى، خصوصًا الصمدانية، عن القرى المجاورة مثل الحميدية، ما أدى إلى شعور السكان المحليين بأن هذه الإجراءات تشكل مقدمة لتثبيت واقع جديد على الأرض، يوسع النفوذ الإسرائيلي تدريجيًا في محافظة القنيطرة. ويشير مراقبون إلى أن الهدف الرئيسي من هذه الإجراءات ليس أمنيًا بقدر ما هو سياسي وتغيير ديمغرافي تدريجي، يفرض على الأهالي خيارات صعبة بين البقاء في مناطق محاصرة أو النزوح خارج المحافظة.
وقد أعاد نصب هذه البوابات إلى الأذهان حالات سابقة في جنوب سوريا، حيث اعترض السكان دوريات إسرائيلية وقاموا بمبادرات احتجاجية محدودة، ما أدى إلى إطلاق نار تحذيري من قبل القوات الإسرائيلية. وتؤكد هذه الأحداث استمرار التوتر في منطقة لطالما حرصت تل أبيب على إبقائها هادئة، وتشير إلى أن إسرائيل تستغل أي استقرار جزئي للجنوب السوري لإعادة ترتيب نفوذها تدريجيًا.
يخشى مراقبون من أن البوابتين القائمتين حتى الآن قد يكونان مقدمة لشبكة بوابات إضافية تهدف إلى قطع أوصال القرى وإجبار السكان على التكيف مع وجود الاحتلال، سواء عبر النزوح أو القيود اليومية على الحركة. وتؤكد هذه التقديرات على أن ما يجري في القنيطرة يتجاوز الإجراءات الأمنية التقليدية، ليشكل مشروعًا متكاملًا لتوسيع النفوذ الإسرائيلي على الأرض.
ويصف الخبراء هذه السياسة بأنها "احتلال ناعم"، أي التوسع التدريجي دون إعلان رسمي للضم، عبر خطوات تدريجية تشمل البوابات، ونقاط التفتيش، والقيود على الحركة، بالإضافة إلى تثبيت وجود اقتصادي وأمني تدريجي. ووفق التحليلات، فإن الهدف من هذه الاستراتيجية هو فرض واقع جديد يصعب تغييره لاحقًا، مع تقليل الحاجة إلى تدخل عسكري مباشر، والضغط على الحكومة السورية قبل أي مفاوضات محتملة.
كما يشير المراقبون إلى أن استمرار هذه الإجراءات مدعوم جزئيًا بـ غياب تحرك دولي فعال لمواجهة خروقات اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974، ما يمنح إسرائيل فرصة لتجاوز القيود دون أي رادع. وفي هذا السياق، يُعد الضغط السياسي والدبلوماسي عبر القنوات الرسمية والمنظمات الدولية الوسيلة الأبرز لوقف هذه السياسة قبل أن تصبح واقعًا دائمًا.
وتؤكد مصادر مطلعة على أن تأثير هذه الإجراءات على السكان المحليين ليس فقط على مستوى الحركة والتنقل، بل يمتد إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، حيث يُضطر الأهالي إلى التعامل مع صعوبات يومية متزايدة، تشمل الوصول إلى الخدمات الأساسية، والأسواق، والتعليم، ما يزيد من القلق الشعبي ويضاعف الضغوط على المجتمعات المحلية.
في المجمل، يبدو أن ما يجري في القنيطرة يمثل نموذجًا لسياسة الاحتلال التدريجي التي تتبعها إسرائيل في الجنوب السوري منذ عقود، عبر خطوات غير علنية تهدف إلى تثبيت النفوذ على الأرض، وعزل القرى، وخلق بيئة ضاغطة على السكان. وتؤكد التقديرات أن استمرار هذه السياسة سيؤدي إلى تغيير تدريجي في ملامح الجغرافيا الاجتماعية والسياسية للمنطقة، في ظل صمت دولي مستمر.