نقلت مجلة فورين بوليسي الأميركية أن زيارة الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع إلى البيت الأبيض، يوم الإثنين الماضي، شكّلت خطوة استثنائية أثارت جدلاً واسعاً على المستويين الإقليمي والدولي.
ووفقاً للمجلة، فإن الشرع، الذي سبق أن قاد جبهة النصرة وكان مرتبطاً بجماعات جهادية، يبدو أنه تبنّى في السنوات الأخيرة نهجاً أكثر براغماتية، مع تركيز واضح على التنمية الاقتصادية وجذب الاستثمارات الأجنبية، بعد تجربته في إدارة محافظة إدلب لعدة سنوات.
وترى فورين بوليسي أن واشنطن تميل إلى دعم دمج سوريا الجديدة ضمن النظام الإقليمي الذي تتزعمه، شريطة أن يتمكن الشرع من ترسيخ نظام حكم مستقر، حتى وإن كان استبدادياً الطابع، مشيرة إلى أن العامل الإسرائيلي قد يشكل عائقاً أمام هذا التوجه في حال قررت تل أبيب عرقلة هذا المسار.
وذكرت المجلة أن الأمم المتحدة وبريطانيا رفعتا العقوبات المفروضة على الشرع قبل الزيارة، في خطوة فُهمت على أنها تمهيد للاعتراف الدولي بحكومته. كما تحدثت تقارير عن مفاوضات بين دمشق وواشنطن قد تشمل منح قاعدة جوية قرب العاصمة، بالإضافة إلى مشاريع استثمارية أميركية كبرى، في إشارة إلى رغبة متبادلة في فتح صفحة جديدة بين الجانبين.
وأضافت فورين بوليسي أن زيارة الشرع إلى واشنطن تمثل ذروة عملية تطبيع تدريجية استمرت عاماً كاملاً، شهد خلالها استقبالاً رسمياً في نيويورك، وخطاباً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة برفقة الجنرال الأميركي المتقاعد ديفيد بتريوس، فضلاً عن لقاءات متعددة مع شخصيات بارزة في إدارة ترامب.
وبحسب المجلة، فإن الشرع يحظى بدعم واضح من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، اللذين يسعيان معاً إلى إعادة الاستقرار إلى سوريا بعد سنوات الحرب. كما أشارت إلى أن الأردن أبدى موقفاً داعماً وإنْ بتحفّظ، فيما عبّرت الإمارات عن تحفظات على خلفية موقفها المناهض للإسلام السياسي.
وترى فورين بوليسي أن الدعم الإقليمي والدولي للشرع يعود إلى رغبة عامة في إنهاء حالة الفوضى في بلاد الشام وإعادة اللاجئين، إلى جانب الرغبة في بناء نظام مركزي يضمن الحد الأدنى من الاستقرار حتى لو لم يكن ديمقراطياً.
وتضيف المجلة أن واشنطن ترى في إعادة دمج سوريا فرصة لإعادة تشكيل النظام الإقليمي بما يحد من النفوذ الإيراني، عبر فصل دمشق عن محور "المقاومة" الذي كانت تشكّل أحد أعمدته. وتشير التحليلات إلى أن نجاح هذا المسار قد يعيد رسم موازين القوى في المنطقة لصالح الولايات المتحدة وحلفائها.
لكن فورين بوليسي تنبّه إلى أن مستقبل سوريا الجديدة ما زال غير واضح، إذ يواجه النظام الوليد تحديات داخلية متزايدة، أبرزها ما حدث في محافظة السويداء من تصاعد في التوترات الطائفية خلال الصيف الماضي، ما أثار تساؤلات حول قدرة الحكومة الجديدة على ضبط الوضع الأمني والحفاظ على وحدة البلاد.
وتلفت المجلة إلى أن إسرائيل تتابع هذه التطورات عن كثب، وأنها قد لا تتقبل بسهولة صعود نظام جديد في دمشق مدعوم من واشنطن وتركيا والسعودية. وتقول إن تل أبيب كثّفت خلال العام الماضي ضرباتها الجوية داخل الأراضي السورية، واستغلت المرحلة الانتقالية لتوسيع وجودها العسكري، ملوّحة بإمكانية التدخل "الإنساني" في الجنوب السوري بذريعة حماية الأقليات.
وبحسب فورين بوليسي، فإن الموقف الإسرائيلي تجاه سوريا ولبنان يتعارض مع الرؤية الأميركية في المنطقة، إذ ما تزال إسرائيل تلوّح بخيار الحرب في لبنان، بينما تحاول واشنطن احتواء التوترات ودمج القوى الإقليمية ضمن إطار سياسي واقتصادي جديد.
وتختم المجلة بالقول إن "أخطر تهديد خارجي لاستقرار سوريا الجديدة قد لا يكون إيران أو الجماعات المسلحة، بل إسرائيل نفسها"، معتبرة أن ذلك يمثل اختباراً للعلاقات بين واشنطن وتل أبيب في المرحلة المقبلة، واحتمالاً لتحوّل سوري لم يكن في حسبان أحد.