تعيش الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية حالة من القلق المتصاعد، على خلفية ما تشير إليه وسائل إعلام إسرائيلية بشأن احتمال أن يمارس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضغوطاً مباشرة على حكومة بنيامين نتنياهو، لدفعها نحو تقديم تنازلات ميدانية تشمل الانسحاب من مواقع حساسة في جنوب سوريا، وعلى رأسها قمة جبل الشيخ. ويأتي هذا القلق في ظل تحولات سياسية إقليمية عميقة، أبرزها اللقاء الأول من نوعه بين الرئيس السوري أحمد الشرع وترامب في البيت الأبيض، وعودة ملف الجنوب السوري إلى طاولة التفاهمات الدولية.
جبل الشيخ… نقطة عسكرية استراتيجية تحت مجهر واشنطن
بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت، تعمل الجرافات والآليات الهندسية الإسرائيلية حالياً على إعادة ترميم مواقع عسكرية في قمة جبل الشيخ، على ارتفاع نحو 2,800 متر، استعداداً لفصل الشتاء. وتشير الصحيفة إلى أن هذه المنطقة كانت قبل عام فقط تحت سيطرة جيش النظام السوري السابق بقيادة بشار الأسد، قبل سقوطه.
تعتبر تل أبيب أن هذا الوجود العسكري في القمة السورية يوفر لها أفضلية استراتيجية، تمكنها من مراقبة التحركات العسكرية في عمق الجنوب السوري، وكشف طرق تهريب الأسلحة نحو لبنان، خصوصاً تلك الموجهة إلى حزب الله.
لقاء الشرع–ترامب يعيد تشكيل مسار التفاهمات
تقول الصحيفة إن الحسابات السورية والأمريكية قد لا تتطابق مع الطموحات الإسرائيلية، خصوصاً بعد “اللقاء التاريخي” بين الشرع وترامب في البيت الأبيض. وتشير مصادر إسرائيلية إلى أن هذا التطور قد يفتح الباب أمام اتفاقات جديدة في الجنوب السوري، تُفرض على إسرائيل بحكم التحول في ميزان التفاوض الدولي.
الاتصالات التي جرت مؤخراً بين ممثلين عن حكومة نتنياهو وممثلي الرئيس السوري الجديد لم تُثمر حتى الآن عن تفاهمات واضحة، لكنها تدور حول إمكانية صياغة اتفاق وقف إطلاق نار جديد بديل لاتفاق 1974، الذي ظل ثابتاً حتى انهيار النظام السوري السابق.
خشية من “فرض اتفاق” على إسرائيل
المسؤولون الإسرائيليون يخشون – وفق تسريبات الصحيفة – من سيناريو مشابه لذلك الذي جرى في غزة، حين فرض ترامب اتفاق وقف إطلاق نار مع حركة حماس، أبقى الحركة في السلطة. ويعتقد هؤلاء أن أي اتفاق جديد قد يقيّد حركة الجيش الإسرائيلي في مواجهة التهديدات القادمة من سوريا أو حزب الله أو إيران.
وترى التقديرات الأمنية أن نتنياهو سيواجه ضغوطاً واضحة من واشنطن، وربما من أنقرة أيضاً، لحسم ملف المواقع الواقعة داخل العمق السوري، والتي يبلغ عددها ثمانية مواقع رئيسية تابعة للجيش الإسرائيلي.
وضع الميدان: لا احتكاك مع السكان… لكن بقاء إسرائيلي حساس
تضم منطقة الجولان السوري التي تسيطر عليها إسرائيل ثمانية مواقع عسكرية حديثة، تستمر في تلقي ترقيات لوجستية وبنى تحتية محسّنة. وتوجد هذه المواقع على بعد عدة كيلومترات داخل الأراضي السورية، قرب مناطق يسكنها نحو 70 ألف شخص من قرى حوران.
ورغم عدم تسجيل حوادث أمنية كبيرة بين الجنود والسكان، كانت هناك حوادث محدودة رفض فيها بعض الأهالي تسليم أسلحة فردية.
طلبات سورية… ورفض إسرائيلي مبدئي
تطالب دمشق بانسحاب إسرائيل من بعض هذه المواقع، مقابل اتفاق وقف إطلاق نار يضمن لإسرائيل هامش حرية في مواجهة تهديدات محتملة. ورغم أن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس يؤكد أن “قمة جبل الشيخ غير قابلة للتنازل”، إلا أن القرار النهائي – وفق التقديرات – قد يُحسم في واشنطن وأنقرة، حيث تدور التفاهمات الأكبر بين ترامب وأردوغان.
الدور التركي… جسر بين الشرع وترامب
إحدى نقاط القلق لدى تل أبيب تتمثل في التقارب المتزايد بين ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والذي ترى فيه إسرائيل بوابة ضغط إضافية. فتركيا – رغم أنها لم تقدم حتى الآن سوى أسلحة خفيفة للقوات السورية – قد تلعب دوراً أساسياً في صياغة اتفاق شامل يعيد ترتيب النفوذ في الجنوب السوري.
تبدو إسرائيل أمام معادلة جديدة تتشكل بعد تغيّر الحكم في دمشق، وتنامي التنسيق الأمريكي–التركي، وعودة ملف الجولان والحدود الشمالية إلى طاولة التفاهمات الدولية. وبينما تسعى تل أبيب للحفاظ على مكاسبها العسكرية الاستراتيجية في قمة جبل الشيخ، تواجه احتمالات متزايدة بأن تجد نفسها تحت ضغط أمريكي لإعادة رسم حدود انتشارها في سوريا، بما يخدم رؤية ترامب لإعادة ترتيب خرائط الأمن الإقليمي.
هذا القلق الإسرائيلي يعكس خشية أكثر عمقاً: فقدان السيطرة التي تمتعت بها لسنوات على المنطقة الأكثر حساسية في الجبهة الشمالية، في لحظة تتغير فيها قواعد اللعبة الإقليمية بسرعة غير مسبوقة.