تشير التقارير والتوثيقات إلى استمرار الجدل حول معاملة الضباط المعتقلين في سوريا بعد سقوط النظام السابق، وخصوصًا أولئك الذين عملوا ضمن صفوف النظام أو كانوا موالين له. بعض هذه التقارير تتحدث عن تنكيل أو انتقام من الضباط المتورطين في جرائم حرب أو انتهاكات حقوق الإنسان، بينما يشدد خبراء حقوق الإنسان على أن الحديث عن عمليات انتقامية ممنهجة غالبًا ما يكون مبنيًا على معلومات غير مؤكدة.
ويؤكد الحقوقيون أن أي نظام يسعى لإعادة بناء الدولة بعد سنوات من الصراع لا يمكن أن يحقق الاستقرار إلا من خلال المساءلة القانونية، وليس الانتقام الفردي أو التطهير الطائفي. ويأتي هذا في سياق حماية حقوق المواطنين الذين لم يشاركوا في الانتهاكات السابقة، وضمان عدم تعرضهم لأي تمييز أو اعتداء.
العدالة الانتقالية ومحاسبة الضباط السابقين
يشير الحقوقيون إلى أن معالجة ملفات الانتهاكات السابقة يجب أن تستند إلى العدالة الانتقالية، التي تضمن محاكمات عادلة وشفافة لكل من ثبت تورطه في الجرائم، مع توفير حق الدفاع له. وتشمل هذه الإجراءات:
توثيق جميع الانتهاكات المرتكبة في الماضي، بما يشمل التعذيب، القتل، والتهجير القسري للمدنيين.
تحديد المسؤوليات بشكل دقيق وعرض المتورطين على القضاء وفق القوانين المحلية والدولية.
حماية الضباط والموظفين السابقين الذين لم يشاركوا في أعمال عنف، وإتاحة الفرصة لإعادة دمجهم في المجتمع أو في مؤسسات الدولة.
يشدد الحقوقيون على أن هذا المسار القانوني هو الضمان الأساسي لمنع الثأر أو الانتقام، وبناء دولة تقوم على العدالة والمساواة، بعيدًا عن أي سياسات ثأرية.
مبادئ حماية حقوق المواطنين
تتضمن الإجراءات لضمان حقوق جميع المواطنين في سوريا الجديدة ثلاثة محاور رئيسية:
سيادة القانون: متابعة أي انتهاكات عبر لجان متخصصة وإنشاء هيئات قضائية مثل هيئة العدالة الانتقالية لمحاسبة أي تجاوزات.
عدم التمييز: الدولة القائمة على المواطنة تحمي حقوق الجميع، سواء كانوا مشاركين في الثورة أو موظفين سابقين في النظام، شرط ألا يكونوا متورطين في الانتهاكات.
الرقابة المجتمعية والدولية: فتح المجال أمام منظمات حقوق الإنسان لمراقبة الوضع وتوثيق أي انتهاكات محتملة لضمان الشفافية وبناء ثقة المواطنين في الدولة.
يؤكد الحقوقيون أن هذه المبادئ تضمن أن تكون سوريا الجديدة دولة قائمة على العدالة والمساواة والمساءلة، بعيدًا عن أي انتقام سياسي أو طائفي.
التحديات في تطبيق العدالة
تشير الخبرة الحقوقية إلى أن تطبيق العدالة الانتقالية في سوريا يواجه تحديات كبيرة، منها:
توثيق الجرائم بدقة في بيئة ما زالت آثار النزاع قائمة فيها.
فرز الضباط والموظفين السابقين وفق مسؤولياتهم القانونية وتمييز من لم يشارك بالانتهاكات.
إجراء محاكمات عادلة وشفافة تتيح الحق في الدفاع وتمنع إفلات أي متهم من العقاب.
ويؤكد الحقوقيون أن الالتزام بهذه الإجراءات هو السبيل لبناء سوريا مستقرة وقادرة على قطع مع إرث الانتهاكات السابقة.
المحافظة على حقوق الإنسان ومبدأ المواطنة
يشدد الحقوقيون على أن ضمان عدم تكرار الانتهاكات يتطلب ثقافة جديدة تقوم على احترام حقوق الإنسان وكرامة جميع المواطنين، مع إعلاء سيادة القانون على أي اعتبار آخر. ويهدف هذا النهج إلى:
منع أي عمليات انتقام أو تطهير طائفي.
ضمان المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين السوريين.
تأسيس عقد اجتماعي جديد يعكس التعددية والاختلاف بين مختلف الأطياف الوطنية.
هذا النهج يمثل الضمان الحقيقي لتحقيق العدالة والاستقرار، ويؤكد أن بناء سوريا الجديدة يتم على أساس القانون والمساءلة والمواطنة، وليس على الانتقام.