يحلّ "اليوم الوطني للبيئة" في لبنان هذا العام في وقت تواجه غاباته تهديدات حقيقية لديمومتها، مع تسجيل ظاهرة الشيخوخة المبكرة لأشجار الغابات التي عادة ما تظهر في فصل تشرين الغابات اللبنانية، التي تجمع بين أصناف الصنوبر والورقيات المتوسطيّة، باتت تعاني نتيجة جفاف مستمر وارتفاع درجات الحرارة بما يفوق معدلاتها الموسمية، ما انعكس مباشرة على أوراق الأشجار وأغصانها، مؤشراً إلى تفاقم ضغوط المناخ على البيئة الطبيعية وتأثيرها على قدرة الغابات على إنتاج الأكسجين وتنقية الهواء.
الجفاف الممتد وغياب الأمطار الكافية أدى إلى نقص المياه الضرورية للأشجار، ما جعلها أكثر عرضة لليابسة والحرائق، خصوصًا في أحراج الصنوبر والسنديان والملول والعفص، حيث تراكمت كميات كبيرة من الأخشاب اليابسة.
تساهم هذه الظروف في زيادة سرعة انتشار الحرائق عند اندلاعها، ما يضاعف الضرر على الغابات ويهدد التنوع البيولوجي فيها ويؤثر على حياة الكائنات البرية التي تعتمد على هذه الغابات كمأوى وموارد غذائية. بالإضافة إلى ذلك، تستفيد الحشرات الخشبية من هذه الظاهرة المناخية، حيث تتكاثر بسرعة نتيجة الحرارة المرتفعة وقلة البرودة، فتتضاعف أجيالها وتنتشر بشكل أسرع، ما يزيد الضغط على الأشجار ويضعف قدرتها على التعافي ويزيد مخاطر فقدان الغطاء الأخضر في المناطق الجبلية.
من ناحية المعالجة، يتضح أن التعامل مع هذه الظاهرة يتطلب مقاربة شاملة تشمل صيانة الأشجار وتنظيف الغابات الكثيفة ورصد الأمراض والآفات، وليس مجرد التركيز على مكافحة الحشرات فقط. العمليات الغابوية مثل التشحيل والتفريد تعتبر من الحلول الضرورية للحفاظ على بنية الأشجار وتمكينها من استخدام المياه المتاحة بكفاءة. على سبيل المثال، تشحيل السنديان سنويًا وصيانة الصنوبر المثمر بمعدل لا يتجاوز 10% من الكتلة الخضرية، يساعد الأشجار على الصمود وتحسين إنتاجيتها، وفي الوقت ذاته يقلل من تأثير الجفاف.
أما بالنسبة للآفات، فهناك اعتماد على مصائد فيرومونية لجذب الحشرات الخشبية ومنع انتشارها في الأشجار السليمة، إلى جانب المراقبة الدورية واستخدام الرش بواسطة طوافات أو "درون" لمواجهة انتشار الحشرات المتعددة الأجيال الناتجة عن الحرارة الاستثنائية وللتعامل مع هذه الظواهر بشكل متكامل، أنشأت وزارة الزراعة "خليّة أزمة" لضمان استعداد الغابات للربيع المقبل ومواجهتها للعوامل المناخية الصعبة.
مع استمرار ظاهرة الشيخوخة المبكرة واليابسة، يبدو أن الغابات اللبنانية بحاجة إلى تدخّل عاجل وشامل يوازن بين المحافظة على الأشجار الكبيرة ومكافحة الآفات، وضمان التكيف مع التحديات المناخية المتفاقمة وحماية الموارد الطبيعية التي تعتمد عليها المجتمعات المحلية.