بدأت الدولة مساراً جديداً لإعادة ترتيب القطاع العام عبر مشروع قانون يهدف إلى إلغاء نحو 2600 وظيفة من الملاك الإداري، وذلك في إطار خطة أوسع لمعالجة الترهل الذي تراكم على مدى عقود المشروع الذي جرى بحثه في مجلس الوزراء يقوم على مبدأ تحديث الهيكليات الإدارية وإزالة الوظائف التي فقدت دورها، مع فتح المجال لنقل الموظفين القائمين إلى مراكز جديدة تحتاج إلى كوادر مختصة.
هذا التوجّه ليس وليد اللحظة فمقترح إلغاء الوظائف كان قد أُعد منذ أشهر ضمن دراسة شاملة للمجلس المختص، وهدفه الأساسي التخلص من المهام التي لم تعد صالحة في زمن التحول الرقمي، الوظائف التي يشملها الإلغاء تتعلق بمهن تقليدية مثل مستكتب ومأمور هاتف ومعاون محاسب وغيرها. وبحسب المشروع، سيُخفّض عدد الوظائف من ثمانية وعشرين ألف وظيفة إلى ما يقارب الثمانية عشر ألفاً ما يفتح الباب أمام إعادة هيكلة فعلية للملاك الإداري.
خبراء في الإدارة والاقتصاد يرون أن الهيئات الرسمية ما تزال تعمل ضمن هياكل قديمة تعود إلى مرحلة ما قبل المكننة. ويعتبرون أن المؤسسات لا تستطيع تطوير أدائها في ظل هيكليات ترتكز على أدوار لم تعد موجودة في العصر الحديث. الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، والبرمجيات، والأنظمة الرقمية يتطلب مهارات جديدة ومسميات مختلفة، الأمر الذي يستوجب إعادة صياغة الملاك وإعداد توصيفات وظيفية تناسب المرحلة الجديدة.
ويؤكد متخصصون في العمل النقابي أن العملية لا تستهدف الموظفين، إذ يجري إلغاء الوظيفة وليس الشخص نفسه. فالمرحلة المقبلة تقوم على توزيع العاملين على مجالات وظيفية مختلفة جرى تحديثها لتتناسب مع احتياجات الإدارة، والتي بات عددها اثنين وعشرين مجالاً و135 عائلة وظيفية وتشمل الخطة استحداث وظائف مرتبطة بالبرمجة، التحول الرقمي، إدارة البيانات، الأنظمة الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي.
كما تتضمن توجهات لإصلاح هيكلي أوسع يشمل الرواتب، التعويضات، وتوحيد آليات التدرج المهني بهدف تحسين بيئة العمل.
ويتفق الخبراء على أن نجاح المشروع مرتبط بخطوات مكمّلة تبدأ بتحديث الدوائر الحكومية بشكل كامل، وتأهيل العاملين عبر برامج تدريب مستمرة، واعتماد المكننة الشاملة لتسهيل المعاملات، إضافة إلى توحيد قواعد البيانات بين الوزارات وفرض معايير أعلى للشفافية والمساءلة الخطوة المنتظرة ليست مجرد إلغاء وظائف وإنما انتقال إلى إدارة عامة حديثة تتوافق مع متطلبات العصر.
ويُنتظر أن تُنفذ الخطة ضمن جدول زمني يمتد من عام 2026 حتى 2030، وهو ما يُفترض أن يعيد قدراً واسعاً من الفعالية للقطاع العام ويعيد الثقة تدريجياً في المؤسسات الرسمية رؤية الإصلاح الشامل تتطلب إرادة ثابتة وقدرة على اتخاذ قرارات جريئة تضع الإدارة اللبنانية على خط الحداثة بعد سنوات من التعطل والجمود.