تل أبيب: ورسائل الاغتيال إلى لبنان

2025.11.25 - 09:04
Facebook Share
طباعة

 تعيش القيادة الإسرائيلية مجدداً حالة من النشوة بعد عملية اغتيال القيادي في حزب الله «أبو علي الطبطبائي»، معتبرة أنها وجهت ضربة قاسية للحزب، وأنها قادرة على تنفيذ المزيد ما لم تُقدِم الحكومة اللبنانية على نزع سلاح حزب الله وإقفال هذا الملف بالقوة إن لزم الأمر. وقد امتلأت وسائل الإعلام الإسرائيلية بتقارير وتحليلات تتناول خلفيات الاغتيال وأبعاده، مع التأكيد على استعداد إسرائيل لخوض جولة جديدة من المواجهة كما حدث العام الماضي، في إطار حرب نفسية موازية للعمل العسكري، تشارك فيها جميع وسائل الإعلام ومراكز البحث تحت عنوان واحد: «حان وقت جزّ العشب من جديد».

مركز «علما»، المعروف بنشر معلومات أمنية بين الحين والآخر، نشر عقب عملية الاغتيال قائمة تضم أسماء قيادات سياسية وعسكرية وأمنية يقول إنها تشكل القيادة الحالية لحزب الله، مؤكداً أن جميعها باتت أهدافاً مشروعة للتصفية، مع إدراج صورة الطبطبائي ضمن اللائحة. وفي سياق متصل، سرّبت جهات إسرائيلية معطيات جديدة حول ما تسميه «مرحلة استعادة حزب الله لقدرات قتالية كبيرة فقدها في الحرب الماضية»، وهي السردية التي بدأت بالتصاعد منذ نحو شهر، بعد تراجع الأحاديث عن إنجازات إسرائيل خلال الحرب.

كما عادت الصحافة الإسرائيلية إلى التركيز على أوضاع المستوطنات الشمالية، ناقلة شكاوى تتعلق ببطء إعادة الإعمار، ومؤكدة أن السكان هناك يريدون من الحكومة إنهاء «تهديد حزب الله» كلياً لضمان هدوء طويل الأمد.

ميدانياً، يواصل جيش الاحتلال عملياته داخل لبنان، مستهدفاً ما يسميه «عناصر ورشة الترميم»، ورافعاً سقف عملياته باتجاه ضرب أفراد غير عسكريين يزعم أنهم يقدمون خدمات لوجستية للمؤسسة العسكرية التابعة لحزب الله. وتشير الوقائع إلى بدء ضرب كوادر مدنية تعمل في البلديات والإعمار، بالتوازي مع تكثيف الضغط لمنع عودة أهالي القرى الحدودية إلى منازلهم، وإعاقة عمليات الترميم الجزئي، وفرض شروط معقدة على أي نشاط تنفذه مؤسسات رسمية لبنانية، وصولاً إلى مطالبة الجهات اللبنانية بتقديم تفاصيل دقيقة حتى لعمليات رفع الأنقاض أو إصلاح الكهرباء والمياه. كما تصر إسرائيل على أن العمل الزراعي في تلك المناطق يحتاج إلى إذن مسبق عبر لجنة «الميكانيزم» التي تشرف عليها الولايات المتحدة.

أما رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، المعروف بسلوكه المتعالي، فيخوض معركته السياسية والشخصية بالتوازي مع المعركة العسكرية، ويحاول إبقاء الجمهور الإسرائيلي متفهماً لسياساته، مدعوماً بما يعتبره «نجاحات إضافية» في لبنان وغزة وسوريا، حيث يواصل العمل وفق مبدأ أنه «سيد الأرض»، رافضاً الالتزام بأي تنسيق كامل مع واشنطن. وينتقد الإدارة الأميركية بسبب اهتمامها المستمر بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، وقد سخر منه قائلاً خلال جولة له في الأراضي السورية المحتلة: «عاد الرجل منفوخاً من واشنطن، ويجب إرجاعه إلى حجمه».

وفي سياق شرح الموقف الإسرائيلي عبر الإعلام، تستعين تل أبيب بأسماء أمنية بارزة لإيصال ما تصفه بـ«رسائل ضرورية» إلى الجانب الآخر. فقد رأى عاموس يدلين، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية، أن اغتيال الطبطبائي هو «رسالة مباشرة لحزب الله بأنه تم الوصول إلى المسؤول الأول عن التعاظم وبناء القوة، والأقرب إلى القيادة الإيرانية»، وهو أيضاً «رسالة للحكومة اللبنانية التي تعهدت بعد وقف إطلاق النار بنشر الجيش في الجنوب وإبعاد حزب الله عن الليطاني، ثم معالجة سلاح الحزب في البقاع وبيروت، دون أن يتحقق أي من ذلك». وأكد يدلين أن العملية تحمل رسالة أوسع إلى «كل أعداء إسرائيل بأن عقيدتها الأمنية تغيرت، وأنها لن تسمح ببناء قوة عسكرية معادية على حدودها».

من جهته، رأى تامير هايمان، الذي شغل منصب رئيس الاستخبارات العسكرية بعد يدلين، أن الاغتيال «أحبط تهديداً استراتيجياً ناشئاً»، لكنه قبل كل شيء «إنذار شديد للحكومة اللبنانية: إذا لم تفككوا حزب الله من سلاحه، فستواصل إسرائيل التصعيد». واعتبر أن العملية لا تحل المشكلة في الشمال، ولذلك فإن إسرائيل تعتمد سياسة «التصعيد المحسوب»، مؤكداً أنها بعد 7 أكتوبر لم تعد تتبع سياسة الاحتواء. وأضاف أن واشنطن «باركت العملية لأنها تدرك أن الضغط العسكري هو الوسيلة الوحيدة لدفع الحكومة اللبنانية لتنفيذ اتفاق وقف النار».

ورغم التأكيد الإسرائيلي على تدمير معظم منظومات حزب الله الاستراتيجية، يجزم هايمان بأن إمكانية نشوب الحرب ما تزال قائمة، مشيراً إلى أن الحزب ما يزال يمتلك صواريخ وقذائف وطائرات مسيرة قادرة على ضرب الجبهة الداخلية الإسرائيلية، حتى لو بكميات أقل. واعتبر أن مجرد النقاش حول ما إذا كان حزب الله سيرد، وبأي مستوى، «يعكس الواقع الجديد الذي نشأ في الشمال بعد الحرب»، مشدداً على أن رد إسرائيل على أي رد سيكون «أكبر بكثير وغير متناسب».

وفي مقالة له، كتب الصحافي المقرّب من المؤسسة العسكرية رون بن يشاي أن الاغتيال جاء لأن «الاستخبارات الإسرائيلية رصدت زيادة في وتيرة جهود الحزب لإعادة بناء قدراته»، وهو ما يمثل تهديداً يتعارض مع مبدأ «المنع» في العقيدة الأمنية الجديدة، والذي يعني أن إسرائيل لن تسمح بتعاظم قوة أي خصم يشكل تهديداً عملياً لها. وأكد بن يشاي أن استهداف الطبطبائي كان جزءاً من «جهد منهجي لاقتطاع القوة العسكرية للحزب وضرب سلسلة قيادته»، معتبراً أن غياب القادة المتمرّسين يترك أثراً مؤقتاً لكنه مؤثر على الأداء العسكري.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 2