شهدت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية موجة واسعة من التفاعل والتنديد، عقب تداول مقطع يُظهر أحد المحتفلين بسقوط النظام البائد وهو يرفع ما يُعرف بـ“صندوق البويا” في مدينة منبج، وسط هتافات وتصفيق من الحاضرين. وقد اعتبر الكثير من السوريين هذا التصرف مسيئًا ومثارًا للتحفظ، لكونه ـ بحسب ما جاء في منشورات عديدة ـ يُستخدم للسخرية من معاناة فئة اجتماعية محددة، ما دفع إلى تسليط الضوء مجددًا على ضرورة تجنّب أي خطاب يمكن أن يثير التوتر أو يُساء فهمه في ظل الظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد.
وشهد الفضاء العام السوري، وفق ما رصده ناشطون، عشرات البيانات والمنشورات التي أدان أصحابها هذا السلوك، معتبرين أنه يتعارض مع الجهود الرامية إلى الحفاظ على التعايش بين المكوّنات السورية كافة. وشددت هذه المنشورات على أهمية الابتعاد عن أي ممارسات قد تُفهم على أنها تمييزية أو مُهينة بحق المكوّن الكردي أو أي مكوّن آخر.
وفي هذا السياق، أصدرت عشيرة “طيا” الكردية في ناحية الكوجرات التابعة لمدينة ديريك بيانًا موجَّهًا إلى رئيس الحكومة الانتقالية، أكدت فيه أنّ أي إساءة بحق الشعب الكردي مرفوضة لأنها تمسّ وحدة المجتمع السوري ونسيجه المشترك. وجاء في البيان أنّ الكرد جزء أصيل من سوريا وشركاء في تاريخها وتضحياتها ومستقبلها، داعيًا إلى محاسبة الأفراد أو الجهات التي قامت ـ بحسب ما ورد في البيان ـ بتصرفات مسيئة من خلال رفع “صندوق البويا”. كما دعت العشيرة إلى اعتماد نظام سياسي لا مركزي يضمن حقوق مختلف المكونات السورية ضمن إطار وطني موحد.
من جهتها، نشرت الأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي في سوريا بيانًا أوضحت فيه أنّ بعض الاحتفالات التي نُظّمت استجابة لدعوة رئيس الحكومة الانتقالية شهدت ـ وفق رواية المجلس ـ سلوكيات تحمل طابعًا مسيئًا للمكوّن الكردي، بدل أن تكون مناسبة لتعزيز قيم التآخي والاحترام بين جميع السوريين. واعتبر المجلس أن الخطابات القائمة على التحريض أو الكراهية تمثل خطرًا على مبدأ العيش المشترك وعلى مساعي بناء دولة مدنية يحتكم جميع أبنائها إلى القانون.
وطالب المجلس بمحاسبة الأصوات التي تسعى إلى نشر التوتر أو الإقصاء، داعيًا الحكومة الانتقالية إلى اتخاذ موقف واضح يرفض مثل هذه الخطابات، ومؤكدًا أن تعزيز الاستقرار يتطلب الاعتراف بتعدد القوميات والأديان والطوائف في سوريا وضمان الحقوق القومية لجميع المكونات، بما في ذلك الحقوق الخاصة بالمكون الكردي، ضمن الدستور السوري المستقبلي.
ويؤكد متابعون للشأن السوري أنّ استمرار الخطابات التي تحمل طابعًا عنصريًا أو طائفيًا، أيا كان مصدرها، يسهم في تعميق الشرخ الاجتماعي ويُضعف فرص بناء السلام الأهلي. كما يشدّد مراقبون على ضرورة تفعيل قوانين واضحة ورادعة للحد من أي خطابات أو ممارسات تُغذي الانقسام، سواء صدرت عن جهات رسمية أو مجموعات شعبية، مع التأكيد على أنّ الظروف الراهنة تتطلب أعلى درجات المسؤولية في التعبير والممارسة للحفاظ على الاستقرار المجتمعي.