رغم المناخ السياسي المتشنّج والمواقف التي تروّج لاحتمالات التصعيد، سجّل لبنان في الأيام التي تلت زيارة البابا حركة سياحية نشطة لافتة، ما وضع الأرقام في مواجهة مباشرة مع الخطاب المتوتر المنتشر في الشارع فقد بدأ الموسم السياحي بزخم واضح، وتجاوزت حركة المطار في يومين فقط مستويات لم تسجَّل منذ سنوات، مع ارتفاع كبير في عدد الوافدين من الخارج بالتزامن مع الاهتمام الشعبي والإعلامي الذي رافق الزيارة البابوية.
ويؤكد خبراء في الاقتصاد والسياحة أن هذه الزيادة ليست صدفة، إذ جاءت بعد حدث حمل طابعًا جامعًا وأعاد إبراز صورة لبنان كبلد قادر على استقبال مناسبات كبيرة رغم أزماته المتراكمة كما يرون أن استجابة الزوار السريعة تظهر رغبة حقيقية بإعادة التفاعل مع البلد، خاصة من اللبنانيين المقيمين في الخارج والذين يشكلون نسبة مهمة من حركة السفر الموسمية.
من ناحية تحليلية، يرى الخبراء أن موجات التهويل السياسي التي تتكرر منذ الصيف الماضي تهدف إلى إبقاء البلاد في دائرة التوتر، من دون وجود معطيات ميدانية تؤسس لسيناريو تصعيد واسع ويرون أن هذا الخطاب بات يُستخدم في إطار السجالات الداخلية وضغوطها، في حين أنّ الواقع الأمني لا يشهد تغيّرات تُنذر بتحوّل كبير. ويعتبرون أن التهويل المستمر يصنع فارقًا نفسيًا فقط، لكنه لا يوقف الحركة الاقتصادية بمجرد ظهور مؤشرات إيجابية قوية كما يحدث الآن.
زيارة البابا لعبت دورًا مهمًا في تخفيف مستويات القلق، إذ قدّمت صورة مختلفة عن المشهد الداخلي وأبرزت جانبًا وحدويًا يحتاجه اللبنانيون في هذه المرحلة كما أن التفاعل الشعبي الواسع أعاد نوعًا من الثقة بقدرة المجتمع على تجاوز الانقسامات عندما تتوفر اللحظة المناسبة.
يرى المختصون في الشأن السياحي أن لبنان يمتلك فرصة فعلية للدخول في موسم نشط، شرط الحد من الخطاب المتوتر الذي ينتشر عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل فصورة البلد تتأثر سريعًا بما يجري على مستوى الرأي العام، وأي اضطراب في المزاج الداخلي ينعكس مباشرة على قرار السائح، سواء كان لبنانيًا أم أجنبيًا. ويؤكد الخبراء أن التجارب السابقة أثبتت قدرة لبنان على استعادة حيويته بمجرد تراجع الضغوط، كما حدث بعد توقف العمليات العسكرية في العام الماضي حيث عادت الأنشطة السياحية بقوة خلال أيام قليلة.
وتخلص الآراء التحليلية إلى أن الموسم الحالي قد يشكل فرصة حقيقية للتعافي، إذا تم تثبيت مناخ أكثر هدوءًا، مع ضبط الخطابات الصدامية التي تُلقي بظلالها على كل القطاعات، وفي مقدمتها السياحة التي تبقى الأسرع استجابة لأي تغيير في مناخ البلد العام.