وصل جثمان الشيخ رائد المتني، أحد أبرز شيوخ طائفة الموحدين الدروز وأحد الشخصيات الفاعلة في فصيل “المجلس العسكري”، إلى المشفى الوطني في السويداء فجر اليوم، بحسب ما نقلته شبكة الراصد المحلية. وحتى لحظة وصول الجثمان، لم تُحدَّد الأسباب الدقيقة للوفاة، وسط حديث متزايد عن علامات تشير إلى تعرضه لتعذيب قاسٍ أثناء اعتقاله.
الطب الشرعي: لا آثار رصاص… والفحوصات مستمرة
ذكرت الراصد أن الجثة لا تحمل آثارًا ظاهرة لإطلاق نار، فيما يواصل فريق الطب الشرعي إجراء تحقيقات وفحوصات طبية لتحديد ملابسات الوفاة بدقة، في ظل غياب أي توضيحات من الجهة التي اعتقلته.
وأكد مدير العلاقات العامة في إعلام السويداء، قتيبة عزام، أن وفاة المتني ناجمة عن عمليات تعذيب تعرض لها خلال اعتقاله من قبل “الحرس الوطني”، القوة المحلية التي تحظى بدعم مباشر من الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، الشيخ حكمت الهجري.
رائد المتني… من أبرز وجوه المجلس العسكري
يُعد المتني أحد الشخصيات المؤثرة في الفصيل الذي نشأ عقب سقوط النظام السوري العام الماضي تحت اسم “المجلس العسكري” في السويداء، قبل أن يتراجع نفوذه خلال الأشهر الماضية تدريجيًا بسبب الانقسامات الفصائلية والتحولات الأمنية داخل المحافظة.
حملة اعتقالات واسعة وتسجيلات مسرّبة
شهدت السويداء توترًا أمنيًا كبيرًا عقب سلسلة اعتقالات طالت معارضين لشيخ العقل حكمت الهجري. ووفقًا لمصادر محلية، فإن الاعتقالات بدأت مساء 28 تشرين الثاني الماضي بواسطة قوات الحرس الوطني، وشملت:
الشيخ رائد المتني
الشيخ مروان رزق
عاصم أبو فخر
غاندي أبو فخر
شخص من عائلة الصفدي
وانتشرت تسجيلات مصوّرة على وسائل التواصل، أظهر بعضها تعذيبًا وإهانات قاسية بحق المتني، منها حلق شاربه وشتمه، ما أثار غضبًا واسعًا في الأوساط المحلية وطرح تساؤلات حول دوافع الاعتقال.
السويداء 24 تؤكد الانتشار الأمني
ذكرت شبكة السويداء 24 أن قوات الحرس الوطني قامت بانتشار واسع على المداخل الرئيسية والطرق الحيوية بالتزامن مع الاعتقالات، مؤكدة أن عدد المعتقلين وصل إلى خمسة أشخاص على الأقل.
وتواصلت الشبكة مع أحد أقارب المعتقلين، الذي قال إنه تفاجأ بخبر الاعتقال، وإن العائلة تجري اتصالات لمعرفة الأسباب التي ما تزال مجهولة حتى الآن.
غياب كامل للتوضيحات الرسمية
حتى لحظة نشر الخبر، لم يصدر الحرس الوطني أي بيان يشرح خلفية هذه الحملة أو أسباب اعتقال الشخصيات المذكورة، في حين ازدادت التكهنات حول وجود خلافات داخلية ومحاولات لإعادة ضبط المشهد الأمني تحت سلطة الهجري.
رواية معاكسة: "محاولة انقلاب"
على الجانب المقابل، تداولت حسابات داعمة للحرس الوطني رواية مختلفة، قالت إن الاعتقالات جاءت لإحباط محاولة انقلاب كان ينوي المعتقلون تنفيذها ضد الشيخ حكمت الهجري.
وذكر الإعلامي ماهر شرف الدين، المقرب من الهجري، أن المقبوض عليهم كانوا يخططون لتنفيذ “عمليات أمنية” داخل السويداء، تتضمن:
اغتيال شخصيات قيادية
تفجير سيارات مفخخة
زرع عبوات ناسفة في أماكن عامة مكتظة بالمارة
لكن شرف الدين لم يكشف مصادره ولم يقدم دليلًا ملموسًا على هذه الادعاءات.
خلفية التوتر: من أحداث المقوس إلى تشكيل الحرس الوطني
تعود جذور التوتر إلى أحداث السويداء في تموز الماضي، حين اندلعت اشتباكات بعد سلسلة عمليات خطف متبادل بين سكان حي المقوس ذي الغالبية البدوية، وأفراد من الطائفة الدرزية. تدخلت لاحقًا القوات الحكومية في محاولة لفض النزاع، لكن تدخلها ترافق مع انتهاكات واسعة ضد المدنيين الدروز، ما أدى إلى رد فعل عنيف من الفصائل المحلية، بما فيها الموالية للحكومة سابقًا.
وفي 23 آب الماضي، أُعلن رسميًا عن تشكيل “الحرس الوطني” بدعم مباشر من الشيخ حكمت الهجري، ليضم عددًا من الفصائل المحلية التي توحدت تحت راية واحدة.
تصعيد رغم الهدنة
رغم اتفاق الهدنة الذي جرى بوساطة أمريكية بين الحكومة السورية وإسرائيل – بعد الضربات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع حكومية داخل السويداء – لا تزال الاشتباكات المحدودة تحدث بين الحين والآخر.
ففي 25 تشرين الثاني الحالي، استهدفت الفصائل المحلية حاجزًا لقوى الأمن الداخلي في قرية برد بالريف الغربي، ما أدى إلى مقتل عنصر وإصابة اثنين، رغم أن الحاجز كان يُستخدم كمعبر إنساني وفق شهادات محلية.
في المقابل، أعلن الحرس الوطني أن “عصابات تابعة لحكومة دمشق” خرقت الهدنة وهاجمت مناطق غرب السويداء باستخدام:
5 طائرات مسيّرة
رشاشات ثقيلة ومتوسطة
ووفق بيان الحرس الوطني، أدى الهجوم إلى مقتل مدني وإصابة آخرين، في حين أعلن أنه تعامل مع الهجوم فورًا.
خاتمة: وفاة تزيد المشهد تعقيدًا
وفاة الشيخ رائد المتني، وسط هذه الفوضى الأمنية وتضارب الروايات، دفعت الوضع في السويداء إلى مرحلة أكثر حساسية. فالحادثة لم تُنهِ الجدل، بل أطلقت موجة جديدة من التساؤلات حول مستقبل المحافظة وعلاقة الفصائل المحلية ببعضها وبالهجري، في ظل اتهامات خطيرة تتعلق بالتعذيب والقتل خارج القانون.
المشهد يبدو مفتوحًا على تصعيد جديد ما لم يتم تقديم رواية رسمية وشفافة، أو فتح تحقيق يبدد الغموض المحيط بوفاة المتني.