الحريات المدنية والإعلامية والسياسية في سوريا

2025.12.06 - 11:22
Facebook Share
طباعة

 تُعد الحريات الإعلامية والمدنية والسياسية والثقافية من أهم مؤشرات تقييم مرحلة انتقالية لأي بلد يسعى لبناء دولة مستقرة واقتصاد متعافٍ ومجتمع متصالح. وبعد مرور عام على إعلان حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع انتصار الثورة، يبرز سؤال جوهري حول مدى تحقق هذه الحريات في سوريا اليوم.


حرية العمل المدني: الركيزة الأساسية للتغيير
حرية العمل المدني تشكل الأساس لفعالية المجتمع في معالجة قضاياه بعد سقوط نظام استبدادي استمر أكثر من خمسة عقود، وحرم السوريين من تنظيم أنفسهم والمشاركة في الحياة العامة. ووفق واصل حمادة، أحد مؤسسي مبادرة "خيم الحقيقة"، فإن المجتمع المدني في سوريا اليوم يخطو خطواته الأولى نحو الاستقلالية، لكن الطريق لا يزال طويلاً وصعباً، خصوصاً بعد أن كانت معظم مؤسساته مرتبطة بالنظام السابق وخاضعة لرقابة مشددة.

ويشير حمادة إلى أن المجتمع المدني يحتاج اليوم إلى أن يكون مستقلاً عن السلطة ويتمتع بحرية التعبير والنقد والقدرة على التأثير في القرارات، مع وجود خطوات أولية بهذا الاتجاه، رغم صعوبات ترتبط بخلفيات كوادر السلطة الحالية التي جاءت بمعظمها من سياقات ثورية وعسكرية.


تغييرات كبيرة وحقوق مكتسبة
شهدت سوريا تغييرات واضحة على مستوى الحريات، أبرزها حق التظاهر دون الحصول على موافقات رسمية، كما ظهر خلال احتجاجات السويداء في يوليو/تموز الماضي. وهذا مؤشر على أن التغيير قائم، رغم وجود خطاب تعبئة وطائفية متجذر يحتاج إلى إجراءات رادعة للحد منه.

عبد الله سلوم، الناشط المدني في حراك كفرنبل، يرى أن حرية التعبير تعتبر أحد أبرز المكاسب المباشرة للثورة. بعد سقوط النظام لم يعد هناك اعتقال للصحفيين بسبب آرائهم السياسية، حتى لمن يعبر عن مواقف متطرفة أو انفصالية. وقد شهدت الساحل السوري في نوفمبر/تشرين الثاني مظاهرات طالبت بالانفصال أو الفدرالية، وقد حمتها قوى الأمن الداخلي، مما يعكس تغيراً ملموساً في البيئة المدنية والسياسية.


الحاجة إلى الإدراك الجماعي وتوسيع الحريات السياسية
يشدد حمادة على ضرورة تعزيز مفهوم أنه لا يوجد منتصر أو مهزوم، بل وطن منكوب يحتاج إلى جهود مشتركة لإعادة بنائه وتحقيق العدالة للجميع. كما دعا إلى توسيع هامش الحريات السياسية بما يشمل ترخيص الأحزاب، والسماح بالتجمع والتظاهر، وحماية الفعاليات الاحتجاجية.

وشدد على ضرورة ضبط الخطاب التحريضي على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الواقع، ومحاسبة كل من يروج له، والإسراع في معالجة ملفات العدالة الانتقالية والانتهاكات، بما يشمل المتورطين في أحداث السويداء والساحل، للوصول إلى سوريا مستقرة تُحكم فيها مفاهيم العدالة والحريات والمشاركة بعيداً عن الانقسامات.


النظام الحزبي وأهمية التنظيم السياسي
يرى سلوم أن الحراك السياسي والمدني ما يزال غير منظم بسبب غياب بدائل عن التمثيل القائم على أسس مناطقية وإثنية وعشائرية. لبناء حياة سياسية فعالة، من الضروري تأسيس أحزاب ونقابات ببرامج واضحة قادرة على مناقشة السلطة والمشاركة في تشكيل حكومات منتخبة، ما يضمن توزيعاً عادلاً للمقاعد ويعزز حرية التعبير ويقوي إدارة شؤون البلاد.


الحريات الإعلامية والتقدم الملحوظ
بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، سُهل حصول عشرات الوكالات الإعلامية العربية والأجنبية على تراخيص للعمل في سوريا، وهو ما يعتبر تقدماً لافتاً في مجال الحرية الإعلامية.

ويؤكد الصحفي أحمد بريمو، مؤسس منصة "تأكد"، وجود تحسن واضح في مستوى الحريات الإعلامية، مشيراً إلى أن البلاد لم تشهد وضعاً مشابهاً منذ عقود. وقد لوحظ غياب حالات اعتقال أو ملاحقة أمنية للصحفيين بسبب نشر معلومات أو فضح قضايا فساد، وهو نتيجة مباشرة للانتفاض السوري عام 2011.

ومع ذلك، يحذر بريمو من أن غياب الضوابط القانونية قد يؤدي إلى انتشار خطاب الكراهية والطائفية والممارسات غير المهنية، ويقترح وضع مواثيق شرف إعلامية ملزمة، وإخضاع جميع منتجي المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي لضوابط تحدد الحد الفاصل بين حرية التعبير والتحريض، بهدف تعزيز دور الإعلام كـ"السلطة الرابعة".


التحديات القانونية والسياسية
على الرغم من المكاسب، يشير أمين عام الحركة الوطنية السورية زكريا ملاحفجي إلى أن الحريات السياسية غير مستقرة بسبب غياب بنية دستورية مكتملة، وتفاوت سلطة المؤسسات بين المناطق، وعدم تبلور منظومة قانونية واضحة لتنظيم الحياة السياسية الحديثة.

كما تؤكد خديجة منصور، نائبة الأمين العام للحزب الدستوري سابقاً، أن السوريين متعطشون لتقنين العمل السياسي من خلال إصدار قانون للأحزاب، معتبرة أن الإعلان الدستوري يضع الأسس القانونية اللازمة لتأكيد أن سوريا ستكون دولة مدنية وتعددية.


أبرز التحديات والتوصيات
ملخص أبرز التحديات:
غياب الإطار الدستوري النهائي الذي يحدد شكل النظام السياسي ويضمن الحقوق والمشاركة، بما في ذلك صدور قانون الأحزاب.
تعدد مراكز القوة وبطء توحيد المؤسسات، ووجود مناطق تتمتع بسلطات محلية تؤثر على ممارسة المواطنين لحقوقهم.
ضعف الثقافة السياسية بعد عقود من الحكم الأمني، حيث ما تزال المشاركة الشعبية محدودة.


وتوصي الجهات المدنية والسياسية باتخاذ عدة خطوات لضمان استدامة الحريات:
تعزيز التشاركية وفتح باب المشاركة أمام الجميع.
توحيد المؤسسات تدريجياً وبناء أجهزة دولة مدنية ومهنية تحت إشراف قانوني.
تعزيز الثقافة السياسية والمواطنة من خلال التعليم وورش العمل والمنصات الإعلامية.
وضع قانون عصري للأحزاب والجمعيات يسمح بالتعددية ويضمن الشفافية والتمويل المنظم.
ضمان استقلال القضاء باعتباره الحامي الأخير للحقوق السياسية ومنع أي جهة من فرض إرادة خارج القانون.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 6