خلاف أميركي–كردي حول مستقبل اللامركزية

2025.12.07 - 05:13
Facebook Share
طباعة

 رفض حسن محمد علي، الرئيس المشترك لمكتب العلاقات العامة في مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، التصريحات التي أدلى بها المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توماس براك، والتي اعتبر فيها أن اللامركزية لم تنجح في الشرق الأوسط.

وقال محمد علي إن القول بفشل اللامركزية في المنطقة استنتاج متسرّع يتجاهل جذور الأزمة السياسية، موضحًا أن ما فشل بالفعل هو النموذج المركزي الصارم الذي احتكر الدولة، همّش المجتمع، وخلق الضعف الذي نشهده اليوم. وأضاف أن التجارب التي وُصفت باللامركزية في الشرق الأوسط لم تكن في الحقيقة تطبيقًا مؤسسيًا حقيقيًا للامركزية، وبالتالي لا يمكن الحكم على نموذج لم يُمنح فرصة فعلية للتنفيذ.

وفي حديثه لوكالة رووداو، شدّد محمد علي على أن دعوات الأقليات في سوريا نحو أنماط من الحكم اللامركزي تتصاعد منذ انهيار سلطة الدولة المركزية عقب تفكك نظام بشار الأسد، معتبرًا أن اللامركزية فرصة لإعادة توزيع السلطة، وليس تهديدًا لوحدة البلاد كما يُروّج لها البعض.

من جانبه، أعاد المبعوث الأمريكي توماس براك التأكيد خلال مشاركته في منتدى الدوحة على استبعاده نجاح أي تجربة لامركزية في الشرق الأوسط، معتبرًا أنها "لم تنجح قط" في أي دولة في المنطقة. واستشهد بأمثلة من البلقان والعراق ولبنان وليبيا، موضحًا أن تجارب الحكم هناك أدت، وفق رأيه، إلى انقسامات أو أزمات سياسية مزمنة. وقال إن مناقشة هذا النموذج في سوريا "تحتاج إلى أربع سنوات من الحوار"، مضيفًا أنه لا يملك إجابة نهائية حول الشكل الأنسب للحكم، وأن القرار يجب أن يكون للسكان والمناطق والثقافات والقبائل.

وفي سياق متصل، تناول الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، ملف شمال شرقي سوريا، مؤكدًا أن المنطقة "جزء أصيل من البلاد"، وأن الحكومة التقت مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عدة مرات إلى أن توصّل الطرفان إلى اتفاق 10 آذار الذي اعتبره وثيقة مرجعية تحافظ على المكاسب وتلقى قبولًا واسعًا لدى الكرد والسوريين عمومًا. وأشار إلى أن الاتفاق حظي، وللمرة الأولى منذ عشر سنوات، بقبول سوري وأمريكي وتركي بالتزامن، وهو ما يعده الشرع دليلًا على واقعية الطرح.

وأكد الشرع أن سوريا تضمن الخصوصية الثقافية والاجتماعية للمجتمع الكردي، لكنه شدّد في الوقت نفسه على رفض أي توجهات انفصالية. ولفت إلى أن أغلبية سكان شمال شرقي البلاد من العرب بنسبة تتجاوز 70%، وأن ارتباط هذه المجتمعات بالدولة السورية عميق، مشيرًا إلى أن داخل المكوّن الكردي نفسه لا يوجد توافق كامل على تنظيم قسد. واعتبر الشرع أن قسد تشكّلت خلال الحرب على التنظيم بدعم أمريكي وغربي، ومع عودة مؤسسات الدولة لم تعد هناك حاجة لبقاء هذه التشكيلات لأنها قد تُحدث فراغًا أمنيًا يتيح عودة التنظيمات المتطرفة.

وكان الشرع والقائد العام لـ“قسد” مظلوم عبدي قد وقّعا اتفاقًا في 10 من آذار، ينص على دمج قسد في مؤسسات الدولة السورية وضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية، على أساس الكفاءة بعيدًا عن الخلفيات الدينية والعرقية.

أما بسام إسحاق، عضو مجلس سوريا الديمقراطية، فقد أكد أن الدولة السورية المقبلة ستكون دولة لامركزية حتمًا، وأن النقاش يجب ألا يكون حول المبدأ بل حول شكل اللامركزية المطلوبة، وهو ما يستوجب حوارًا سياسيًا واسعًا. وقال إن دمشق تريد أكبر قدر من المركزية في الصلاحيات السيادية كالدبلوماسية والسياسة الخارجية والاقتصاد، بينما يرى “مسد” أن الإدارة التنفيذية تحتاج إلى نظام إدارات محلية موسّع.

ونفى إسحاق وجود أي رسالة مكتوبة وصلت من زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان إلى قوات قسد، مؤكدًا أن هذه الأنباء غير صحيحة.


تحليل موسّع
يشير الجدل الحالي بين "مسد" والمبعوث الأمريكي إلى وجود تناقض واضح في فهم اللامركزية بين الطرفين. فبينما ترى واشنطن —أو على الأقل مبعوثها— أن تاريخ المنطقة يثبت فشل هذا النموذج، يصرّ "مسد" على أن فشل التجارب السابقة سببه عدم تطبيق اللامركزية أصلًا، بل اعتماد أنظمة مركزية مشددة.

هذا الخلاف يعكس أيضًا صراع رؤيتين:
رؤية أمريكية حذرة من إعادة إنتاج نماذج عراق ولبنان وليبيا.
ورؤية كردية–سورية ترى في اللامركزية حلًا واقعيًا يضمن التوازن بين الهوية الوطنية وحقوق المكونات.

أما الشرع، فيظهر كطرف ثالث يفاوض على دمج قسد في مؤسسات الدولة مع ضمان خصوصية ثقافية، دون فتح الباب أمام الانفصال أو الحكم الموازي، وهو ما يحاول تقديمه كحل وسط يرضي القوى الإقليمية والدولية ويمنع تفكك البلاد.

بقاء هذا الجدل دون حسم يشير إلى أن شكل الحكم في سوريا المستقبلية لا يزال ملفًا مفتوحًا، وأن أي صيغة نهائية ستتطلب اتفاقًا بين القوى الداخلية والدولية على حد سواء.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 4