يبدو أن سوريا تدخل مرحلة مختلفة في التعامل مع إرث الانتهاكات، مع ظهور وسيم بديع الأسد أمام قاضي الإحالة بعد سنوات من النفوذ الواسع الذي تمتعت به شبكات مرتبطة بأركان النظام السابق، ظهور الرجل ـ المعروف بدوره في المجموعات المسلحة الرديفة للفرقة الرابعة وشبكات النفوذ الأمني ـ أعاد إلى السطح تساؤلات حول حدود التحول الجاري داخل البلاد، وما إذا كانت العدالة الانتقالية ستتجه فعلاً نحو ملفات كانت محرمة في السابق.
الفيديو الذي نشرته وزارة العدل اختزل مشهداً غير مألوف للسوريين الذين اعتادوا رؤية أشخاص مثل وسيم الأسد فوق المساءلة لكونهم جزءاً من منظومة أمنية اتكأت عليها السلطة في سنوات الحرب. المفارقة أن الرجل حاول التنصل من الاتهامات التي تراكمت خلال عقد كامل، رغم أن التحقيقات المنشورة أوضحت ارتباطه بتشكيل مجموعات مسلحة وتمويل عناصر قتالية في الريف الدمشقي وممارسات عنيفة طالت مدنيين في جرمانا، إلى جانب ارتباطات واسعة بشبكات المخدرات داخل سوريا وخارجها.
ردود الفعل على منصات التواصل كشفت حجم الفجوة بين روايته أمام القاضي والصورة الراسخة عنه في الذاكرة الشعبية كثيرون رأوا أن إنكاره ليس سوى محاولة لإعادة صياغة دوره الماضي، بينما أرشيفه المعلن يضم علاقات مع شبكات تهريب واستيلاء على ممتلكات عامة وتورطاً مباشراً في تشكيل ميليشيات محلية خدمت الفرقة الرابعة لسنوات.
ظهور هذه الوقائع في سياق القضاء السوري بعد سقوط النظام السابق يفتح باباً سياسياً واسعاً فملف وسيم الأسد ليس مجرد قضية فردية، وانما اختبارٌ لمدى قدرة الدولة الجديدة على التعامل مع إرث ثقيل من الجرائم والانتهاكات التي امتدت قبل الثورة وبعدها كما يسلّط الضوء على التوازنات داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية السابقة التي شكّلت العمود الفقري لسلطة الأسد لعقود.
اعتماد السلطات على نشر أجزاء من التحقيقات يعكس رغبة في إرسال رسالة داخلية بأن مرحلة “الحصانة المطلقة” اقتربت من نهايتها وأن الملفات القديمة أصبحت قابلة للفتح ورغم أن مسار العدالة الانتقالية مليء بالتعقيدات، فإن توقيف وسيم الأسد في يونيو/حزيران 2025 ثم إحالته للقضاء يشير إلى تحوّل تدريجي نحو مقاربة مختلفة للعلاقة بين الدولة ومراكز النفوذ التي كانت تحكم المشهد الأمني.
التفاعل الشعبي الواسع مع القضية يعطي مؤشراً على أن المجتمع السوري ينتظر محاسبة المتورطين في الانتهاكات، سواء كانوا داخل المؤسسات العسكرية أو على هامشها وفي حال استمرت السلطات في هذا الاتجاه فقد يتحول الملف إلى نقطة اختبار حقيقية لمبدأ سيادة القانون، ومدى قدرة القضاء على التعامل مع أسماء ارتبطت طويلاً بمراكز القوة.