أثار الهجوم الذي نسب إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” على دورية مشتركة بين القوات الأمريكية والجيش السوري قرب مدينة تدمر، في 13 كانون الأول، جدلاً واسعًا حول طبيعة التنسيق بين الحكومة السورية والتحالف الدولي، خصوصًا بعد أن تبين أن عناصر وزارة الداخلية السورية ترافق القوات، وليس عناصر وزارة الدفاع. وأسفر الهجوم عن مقتل جنديين أمريكيين ومترجم مدني، ما أعاد إلى الواجهة المخاطر الأمنية المستمرة التي تمثلها خلايا التنظيم في مناطق مختلفة من سوريا.
الحادثة لفتت الانتباه ليس فقط لبعدها العسكري، بل أيضًا لمدى التداخل بين الأبعاد الأمنية والسياسية في تحديد أي المؤسسات السورية تتولى مهام التعاون مع التحالف الدولي. ووفقًا لمتابعين، يُفترض تقنيًا أن وزارة الدفاع السورية هي الجهة الأنسب لمثل هذه العمليات، إلا أن الظروف الميدانية والسياسية تفرض أحيانًا توزيعًا غير معتاد للأدوار.
تقرير صادر عن معهد “الشرق الأوسط” للدراسات الاستراتيجية أشار إلى أن الحكومة السورية أبرمت اتفاقيات عملياتية متعددة مع التحالف الدولي، تتضمن تبادل المعلومات الاستخباراتية بين وحدة الاستطلاع التابعة لوزارة الداخلية وغرف عمليات التحالف، وتقليص الضربات الجوية، مع اعتماد قوات الداخلية على مهام المراقبة والمرافقة الميدانية. ووفق مصادر وصفها التقرير بأنها “رفيعة المستوى”، فإن تفاصيل الاتفاقيات العملية تحتفظ بها فقط الجهات الرسمية.
الباحث في “المركز العربي لدراسات سوريا المعاصرة”، نوار شعبان، أوضح أن هذا النوع من التنسيق لا يعني تفضيل جهة على أخرى، بل يرتبط بطبيعة الملف الميداني والقدرات الأمنية المتوفرة في المنطقة. فوزارة الداخلية، بحسبه، تمثل عنصرًا أقوى في بعض البيئات الميدانية مثل تدمر، نظرًا للوجود الأمني المكثف والخبرة في عمليات مكافحة التنظيمات المسلحة داخل المدن والريف، بينما وزارة الدفاع قد تتركز مهامها في جبهات أكبر أو معارك مباشرة.
وبالرغم من الهجوم الأخير، أكدت القيادة المركزية الأمريكية أن التحالف الدولي بالتعاون مع وزارة الداخلية السورية نفذ عمليات مشتركة في مناطق أخرى خلال نوفمبر الماضي، استهدفت مواقع لتخزين أسلحة تابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية”، وأدت إلى تدمير أكثر من 15 موقعًا. وأوضح البيان أن العملية شملت رصدًا ميدانيًا، استخدام الطيران، وفرق هندسية، وأن مشاركة الداخلية جاءت لتأمين المعلومات والمرافقين المحليين.
تقرير المعهد نفسه أشار إلى تحديات داخلية تواجه وزارة الدفاع السورية، أبرزها محدودية القدرات البشرية والمعدات اللوجستية، وضعف عمليات التجنيد والتحريات الدقيقة، ما يجعل التحالف الدولي أكثر اعتمادًا على خبرة وزارة الداخلية في بعض العمليات المشتركة. من هنا، يرى محللون أن توجيه الدور للداخلية لا يقلل من أهمية وزارة الدفاع، لكنه يعكس أولوية الأمن والاستخبارات في المراحل الحالية.
من الناحية القانونية والسياسية، يشدد خبراء على أن دمشق هي الطرف الذي يحدد أي وزارة تتولى الملفات المشتركة مع التحالف، مع ضرورة مراعاة الجوانب التقنية والميدانية. فوجود عناصر الداخلية لا يشير إلى فقدان الثقة بالجيش، بل إلى تقليل المخاطر وضمان إدارة أفضل للمعلومات والتنسيق المحلي.
في المقابل، أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا، أن قيادة الأمن الداخلي وجهت تحذيرات مسبقة لقوات التحالف بشأن احتمالية وقوع خروقات أو هجمات محتملة لتنظيم “الدولة الإسلامية”، إلا أن التحالف لم يأخذ التحذيرات بعين الاعتبار. وأوضح البابا أن التحقيق مستمر لتحديد انتماء منفذ الهجوم وما إذا كان مرتبطًا تنظيمياً بالتنظيم أم يحمل الفكر فقط، مؤكدًا أنه لا يوجد أي رابط قيادي داخل الوزارة له.
ردود الفعل الدولية ركزت على أهمية التنسيق المستمر لضمان مواجهة الخلايا المسلحة بكفاءة، بينما دعا محللون إلى تقييم توزيع الأدوار بين وزارة الداخلية والدفاع بما يوازن بين الخبرة الأمنية والقدرة العسكرية، لضمان حماية المدنيين والقوات المشاركة.