عزازيل ديب.. من التنسيق مع الأمن إلى الاحتجاز بلا تهمة

2025.12.18 - 10:39
Facebook Share
طباعة

 رغم العلاقة التي جمعته لسنوات مع السلطات السورية الجديدة، ورغم دوره العلني في تهدئة التوترات وتنسيق التواصل بين الأجهزة الأمنية والمواطنين، لا يزال الناشط العلوي سليمان ديب، المعروف باسم «عزازيل ديب»، رهن الاحتجاز في اللاذقية منذ قرابة ثلاثة أسابيع، في قضية أثارت تساؤلات متزايدة حول حدود حرية التعبير، وطبيعة التعامل مع الأصوات المنتقدة من داخل البيئات المقرّبة من السلطة.

عزازيل ديب اعتُقل بتاريخ 27 تشرين الثاني، من دون إعلان رسمي عن أسباب توقيفه، أو توجيه تهم واضحة بحقه، أو إحالته إلى جهة قضائية مختصة. ومنذ ذلك الحين، لم تُتخذ بحقه أي إجراءات قانونية معلنة، ولم يُسمح لذويه بتوكيل محامٍ لمتابعة قضيته، في مشهد يسلّط الضوء على إشكاليات أعمق تتعلق بسيادة القانون وضمانات المحاكمة العادلة.

الناشط العلوي المعروف لم يكن يومًا في موقع الخصومة مع السلطات، بل على العكس، عُرف بعلاقته الوثيقة مع الأجهزة الرسمية خلال مراحل سابقة، وبلعبه دور الوسيط بين الأمن والمواطنين، خاصة خلال فترات التوتر الأمني والأحداث الدامية التي شهدتها مناطق الساحل السوري. وقد أسهم، بحسب مقربين منه، في إجراء اتصالات مباشرة مع الجهات الأمنية للإفراج عن عدد من المحتجزين، وساهم في احتواء احتقان اجتماعي كان مرشحًا للتصعيد.

لكن هذا القرب لم يشفع له حين عبّر علنًا عن مواقف ناقدة لبعض الشعارات التي رُفعت خلال المظاهرات التي دعا إليها الشيخ غزال غزال أواخر تشرين الثاني الماضي. ففي منشورات وتصريحات متداولة، انتقد ديب الهتافات ذات الطابع التحريضي، وحمّل الأمن العام المسؤولية الكاملة عن سلامة المتظاهرين، لا سيما بعد تسجيل هجوم على أحياء علوية، وإطلاق نار أسفر عن سقوط ضحايا.

هذا الموقف العلني، الذي يندرج ضمن إطار حرية الرأي والتعبير، شكّل نقطة التحول في مسار علاقته مع الأجهزة الأمنية. فبعد أيام قليلة من تلك التصريحات، جرى توقيفه من قبل قيادة الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية، بأمر مباشر من قائد الأمن الداخلي العميد عبد العزيز الأحمد، وفق ما أفادت به مصادر مطلعة، من دون إبراز مذكرة قضائية أو تقديم تبرير قانوني واضح.

استمرار احتجاز ديب من دون عرضه على قاضٍ مختص، أو توضيح طبيعة التهم الموجهة إليه، أثار انتقادات حقوقية متصاعدة، وسط مخاوف جدية على سلامته الجسدية والنفسية. ويرى متابعون أن القضية تتجاوز شخص ديب، لتطرح سؤالًا أوسع حول مصير الأصوات الناقدة، حتى تلك التي صدرت من داخل الدائرة المؤيدة أو المتعاونة مع السلطات.

ويشير مطلعون على نشاط ديب إلى أنه خلال ذروة الأحداث الأمنية، لم يكن في موقع التحريض أو التصعيد، بل سعى إلى تهدئة الشارع ومنع الانزلاق نحو العنف الطائفي، عبر التواصل مع مختلف الأطراف. كما عُرف بموقفه الرافض لأي خطاب كراهية، سواء صدر من معارضين أو موالين، وهو ما جعله في موقع رمادي لا يحظى برضا جميع الأطراف.

اليوم، ومع دخول اعتقاله أسبوعه الثالث، تتزايد الدعوات للكشف عن مصيره القانوني، ووضع حد لحالة الغموض التي تحيط بقضيته. فاحتجازه من دون إجراءات قضائية واضحة يُعد، وفق معايير القانون الوطني والمواثيق الدولية، انتهاكًا صريحًا للحرية الشخصية، وضمانات المحاكمة العادلة، وحق الدفاع.

ويرى حقوقيون أن استمرار هذا النهج يوجّه رسالة مقلقة إلى المجتمع، مفادها أن هامش التعبير المسموح به قد يكون أضيق مما يُعلن، وأن الانتقاد، حتى لو جاء من منطلق الحرص أو الشراكة السابقة، قد يُقابل بإجراءات أمنية بدل الحوار أو المساءلة القانونية.

في ظل هذه المعطيات، تبقى قضية عزازيل ديب اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام السلطات بمبادئ سيادة القانون، واحترام حرية الرأي، والتفريق بين النقد السلمي والتحريض. كما تطرح تساؤلًا جوهريًا: هل يمكن للصوت الناقد من الداخل أن يُسمع، أم أن مصيره سيكون الصمت القسري خلف الأبواب المغلقة؟

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 5