دمج المحاكم الجمركية في سوريا بين التنظيم والجدل

2025.12.18 - 11:25
Facebook Share
طباعة

 أثار قرار وزارة العدل القاضي بدمج المحاكم الجمركية ومحاكم الاستئناف الجمركي ودوائر التنفيذ الجمركي في مختلف المحافظات مع محاكم عدلية دمشق، موجة واسعة من النقاش في الأوساط القانونية والاقتصادية، بين من يراه خطوة تنظيمية تهدف إلى توحيد المرجعيات وتحسين الأداء القضائي، ومن يحذّر من تداعياته على سهولة الوصول إلى العدالة وحقوق المتقاضين.

ويأتي القرار في سياق محاولات إصلاح إداري أوسع تسعى إلى إعادة هيكلة بعض المؤسسات القضائية، وتوحيد الإجراءات، والحد من التفاوت في الاجتهادات بين المحافظات. وتقول جهات مطلعة إن دمج المحاكم الجمركية قد يسهم في توحيد تفسير القوانين الجمركية، وضمان انسجام الأحكام الصادرة، بما ينعكس إيجاباً على البيئة القانونية والاستثمارية.

من وجهة نظر مؤيدين للقرار، فإن المركزية في القضايا الجمركية قد تساعد على تعزيز الرقابة القضائية، والحد من التباين في الأحكام، خاصة في القضايا ذات الطابع المالي الكبير، التي تمس الخزينة العامة بشكل مباشر. كما يرون أن تجميع هذه القضايا في جهة واحدة قد يسهّل بناء خبرات تخصصية أعمق لدى القضاة، ويُسهم في رفع جودة الأحكام على المدى الطويل.

في المقابل، عبّر قانونيون ومحامون عن مخاوف حقيقية من أن يؤدي القرار إلى تكريس مركزية مفرطة في العمل القضائي، ما قد يضع ضغطاً إضافياً على محاكم دمشق، التي تعاني أصلاً من ازدحام الملفات وبطء الفصل في الدعاوى. ويشير هؤلاء إلى أن نقل جميع القضايا الجمركية من المحافظات إلى العاصمة قد يطيل أمد التقاضي بدلاً من تسريعه.

ويرى منتقدو القرار أن الأثر المباشر سينعكس على المتقاضين في المحافظات، الذين سيُجبرون على تحمّل أعباء السفر المتكرر إلى دمشق، أو تكاليف توكيل محامين في العاصمة، ما قد يشكّل عائقاً حقيقياً أمام صغار التجار وأصحاب القضايا المحدودة، ويؤثر على مبدأ تكافؤ الفرص في الوصول إلى العدالة.

كما يلفت مختصون إلى أن إلغاء المحاكم الجمركية في المحافظات قد يؤدي إلى خسارة خبرات محلية راكمها قضاة وموظفون على مدى سنوات، والذين كانوا على تماس مباشر مع طبيعة النشاط الجمركي في مناطقهم، سواء في المرافئ أو المعابر الحدودية أو المناطق الصناعية. ويخشى هؤلاء أن يؤدي غياب هذا البعد المحلي إلى صعوبة فهم خصوصية بعض القضايا، أو إطالة زمن البت فيها.

من جهة أخرى، يؤكد داعمو القرار أن هذه المخاوف يمكن معالجتها إذا ما رافق الدمج تعزيز حقيقي للبنية القضائية في دمشق، سواء عبر زيادة عدد القضاة المتخصصين، أو توسيع الكادر الإداري، أو اعتماد أدوات رقمية تتيح تقديم الدعاوى ومتابعتها عن بُعد، بما يخفف الحاجة إلى الحضور الشخصي.

ويشير مراقبون إلى أن نجاح القرار أو فشله سيتوقف إلى حد كبير على آليات التطبيق، لا على مبدأ الدمج بحد ذاته. فإذا جرى تنفيذ الخطوة من دون خطط داعمة، فقد تتحول إلى عبء إضافي على النظام القضائي. أما إذا رافقتها إصلاحات إجرائية وتقنية واضحة، فقد تشكّل مدخلاً لتطوير القضاء الجمركي وتحديثه.

كما يبرز تساؤل حول تأثير القرار على سرعة تنفيذ الأحكام الجمركية، إذ يخشى البعض من أن يؤدي تركّز دوائر التنفيذ في دمشق إلى بطء في تحصيل الغرامات والرسوم، في حين يرى آخرون أن المركزية قد تعزز الرقابة وتمنع التلاعب، ما ينعكس إيجاباً على إيرادات الدولة.

في المحصلة، يقف قرار دمج المحاكم الجمركية عند مفترق طرق بين هدف معلن يتمثل في التنظيم وتوحيد المرجعية، ومخاوف واقعية تتعلق بالوصول إلى العدالة والعبء على المتقاضين. وبين هذا وذاك، تتزايد الدعوات إلى مراجعة آليات التنفيذ، وفتح نقاش قانوني أوسع يضمن تحقيق التوازن بين الكفاءة القضائية وحقوق المواطنين، بما يحوّل القرار من نقطة خلاف إلى فرصة إصلاح حقيقية.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 5