رغم مرور عام على سقوط نظام البعث في سوريا، ما زالت النساء يمثلن الحلقة الأضعف في المجتمع السوري، حيث تواجه النساء تهجيرًا قسريًا، اختطافًا، انتهاكات جسدية، وتهميشًا سياسيًا مستمرًا، على الرغم من اتفاقيات رسمية تتضمن بنودًا لحمايتهن وتمثيلهن في الحكومة الانتقالية.
في 10 آذار 2025، وقع القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، اتفاقية مع رئيس الحكومة الانتقالية، أحمد الشرع، تضمنت عدة بنود أساسية، أبرزها عودة المهجّرين والنازحين إلى مناطقهم، وضمان تمثيل المرأة السورية في مقاعد الحكومة. إلا أن الواقع على الأرض يبين فجوة كبيرة بين النصوص القانونية والتطبيق الفعلي، حيث حصلت النساء على ستة مقاعد فقط من أصل 119 في أول انتخابات لمجلس الشعب، أي بنسبة 5%، رغم أن نسبة النساء بين المرشحين كانت 14%.
تنامي الانتهاكات وخطر الاختطاف
ومنذ بداية عام 2025، وثقت منظمات حقوقية عدة استمرار عمليات الاختطاف والتعذيب بحق النساء، خاصة في الساحل السوري ومحافظات اللاذقية وطرطوس وحمص وحماة. ووفق هذه التوثيقات، فقد تم اختطاف ما لا يقل عن 36 امرأة وشابة من الطائفة العلوية تتراوح أعمارهن بين 3 و40 عامًا على أيدي مجهولين، ومن بين هذه الحالات، جرت ثماني عمليات اختطاف في وضح النهار طالت خمس نساء وثلاث فتيات قاصرات.
وفي الوقت نفسه، سجّل المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل أكثر من 650 امرأة في مناطق الحكومة الانتقالية منذ تسلمها السلطة، أي بمعدل امرأتين يوميًا، من بينهم 127 امرأة أُعدمن ميدانياً على أيدي مجموعات مسلحة تابعة لوزارة الداخلية، ما يوضح حجم الانتهاكات المستمرة بحق النساء ويشير إلى فشل الحكومة في حماية المدنيين، وخاصة النساء، من التهديدات المباشرة.
وفي الجنوب السوري، فقدت محافظة السويداء 65 امرأة منذ بداية العام، فيما سجلت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان 97 حالة اختفاء أو اختطاف، معظمهم من النساء، في مؤشرات خطيرة على استمرار حالة الفوضى وانعدام الأمن الشخصي.
الأزمة السياسية والاجتماعية وتأثيرها على النساء
وأوضحت خديجة الجرف، العضوة في مكتب المرأة بحزب "سوريا المستقبل"، أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة، والتشريد والنزوح إلى المخيمات، جعلت المرأة السورية الحلقة الأضعف في المجتمع، مضيفة أن "الانتهاكات والجرائم ارتقت في بعض الحالات إلى جرائم حرب، وكانت المرأة المتضرر الأكبر منها".
وأكدت الجرف على أن تصاعد خطاب الكراهية والطائفية بين مكونات المجتمع السوري يشكل خطرًا حقيقيًا قد يدفع البلاد نحو صراع أهلي شامل، مشددة على أن هناك جهات تعمل على تغذية الانقسام بشكل ممنهج، وهو ما يعقد جهود الحكومة الانتقالية لتحقيق استقرار حقيقي وحماية حقوق جميع المواطنين.
دعوات لمساءلة الحكومة وحماية الحقوق
على الرغم من بعض المؤشرات الإيجابية، مثل المطالب الشعبية بحفظ حقوق المكونات والأقليات، دعت خديجة الجرف الحكومة الانتقالية إلى تحمل مسؤولياتها تجاه قضايا المرأة بشكل جدي، وضمان تمثيلها السياسي والاجتماعي، وكذلك حماية حقوق جميع المكونات السورية.
كما أكدت أن العودة الآمنة للمهجّرين والسكان الأصليين إلى مناطقهم، وصون الهوية الثقافية والتراثية لكل مكوّنات المجتمع، ضرورة أساسية لتحقيق استقرار طويل الأمد. وأوضحت أن حماية النساء يجب أن تكون أولوية قصوى، لأنها تمثل مؤشرًا على قدرة الدولة والحكومة على فرض الأمن والعدالة والمساواة.
واقع المرأة بين القوانين والتطبيق
بينما نصّت الاتفاقيات الرسمية على تمثيل المرأة وعودتها إلى حقوقها، يبرز الواقع الفعلي استمرار الإقصاء السياسي والاجتماعي، وانعدام الحماية من الانتهاكات الميدانية، ما يعكس فجوة كبيرة بين النصوص القانونية والقدرة على التطبيق، ويضع المجتمع السوري أمام اختبار حقيقي حول قدرته على حماية النساء وتأمين مستقبل آمن للجميع.
وفي هذا الإطار، يبقى تسليط الضوء على قضايا المرأة في سوريا ضروريًا لإحداث ضغط داخلي ودولي على الحكومة الانتقالية والمجموعات المسلحة، لضمان التزامها بالقوانين وحماية الحقوق الإنسانية، وإيقاف أي ممارسات قد تهدد استقرار المجتمع السوري على المدى الطويل.