ما بعد قيصر اقتصاد سوري مثقل بإرث الحرب

2025.12.20 - 11:46
Facebook Share
طباعة

بعد تصويت الكونغرس الأميركي لصالح إلغاء قانون قيصر عام 2024 ارتفعت توقعات السوريين بإمكانية تحسن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بعد سنوات طويلة من العزلة والعقوبات غير أن هذه الخطوة رغم أهميتها لا تعني بالضرورة تعافياً سريعاً للاقتصاد السوري الذي يواجه تحديات بنيوية عميقة تراكمت خلال 14 عاماً من الحرب والانكماش.
الاقتصاد السوري يدخل مرحلة ما بعد قيصر وهو في وضع هش للغاية حيث تراجع الناتج المحلي الإجمالي من نحو 60 مليار دولار عام 2011 إلى أقل من 12 مليار دولار عام 2023 وفق تقديرات اقتصادية متداولة هذا الانخفاض الحاد ترافق مع دمار واسع في البنية التحتية شمل قطاعات الكهرباء والمياه والنقل والاتصالات إضافة إلى تآكل القدرة الإنتاجية في الصناعة والزراعة.
يرى مراقبون أن أبرز التحديات يتمثل في القطاع المصرفي الذي بقي معزولاً عن النظام المالي العالمي لسنوات طويلة المصارف السورية تعاني من ضعف السيولة وتهالك الأنظمة التشغيلية وعدم الجاهزية التقنية إضافة إلى غياب الالتزام الكامل بالمعايير الدولية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب هذا الواقع يحد من قدرة سوريا على إعادة الاندماج في النظام المالي العالمي حتى بعد رفع العقوبات.
البيانات الرسمية تشير إلى أن عودة التعامل مع نظام سويفت تحتاج إلى إجراءات معقدة تشمل تحديث البنية التقنية والتشريعية وبناء ثقة دولية جديدة وهي عملية تتطلب وقتا ودعما فنيا من مؤسسات دولية متخصصة ولا يمكن إنجازها خلال فترة قصيرة
على مستوى الاستثمار يبرز تحدي نوعية الاستثمارات المتوقعة حيث توجد مخاوف من تركيزها في القطاعات الريعية مثل النفط والغاز والعقارات والكهرباء هذه القطاعات تحقق أرباحا سريعة لكنها لا تخلق قاعدة إنتاجية واسعة ولا توفر فرص عمل كافية في اقتصاد يعاني من معدلات بطالة مرتفعة وتراجع في الدخول الحقيقية
في المقابل يعاني الإنتاج المحلي من ضعف شديد نتيجة ارتفاع كلفة الطاقة ونقص التمويل وتراجع القدرة التنافسية وهو ما يجعل فتح الأسواق أمام المستوردات خطراً حقيقياً على ما تبقى من الصناعة الوطنية حيث قد يؤدي تدفق السلع الأجنبية إلى خروج العديد من المنشآت المحلية من السوق.
مرحلة إعادة تنظيم الاقتصاد قد تشهد اضطرابات سعرية وضغوطا على الخدمات نتيجة الانتقال من اقتصاد قائم على الحرب والندرة إلى اقتصاد أكثر انفتاحاً هذه المرحلة تحتاج إلى سياسات مالية ونقدية دقيقة لتفادي صدمات معيشية إضافية على المواطنين.
كما يشكل الميزان التجاري تحديا آخر حيث من المتوقع ارتفاع حجم المستوردات بشكل أسرع من الصادرات ما يضغط على ميزان المدفوعات ويستنزف الاحتياطيات النقدية في حال عدم ضبط الإيقاع التجاري ودعم القطاعات القابلة للتصدير.
في هذا السياق تبرز أهمية توجيه الاستثمارات نحو القطاعات الإنتاجية مثل الصناعات التحويلية والزراعة والطاقة الكهربائية ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تشكل أكثر من 90 بالمئة من إجمالي المشاريع في سوريا هذه القطاعات تمتلك قدرة أعلى على خلق فرص عمل وتحريك الدورة الاقتصادية بكلفة أقل مقارنة بالمشاريع الكبرى
إجمالا فإن ما بعد قانون قيصر يمثل فرصة حقيقية للاقتصاد السوري غير أن تحويل هذه الفرصة إلى مسار تعاف مستدام يتطلب إصلاحات عميقة وتشريعات واضحة وبنية مصرفية حديثة ورؤية اقتصادية طويلة المدى تتجاوز منطق الحلول السريعة. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 7