إعادة توزيع الأدوار الأمنية شمال شرق سوريا

2025.12.22 - 09:46
Facebook Share
طباعة

 شهد ملف مكافحة تنظيم “داعش” في سوريا خلال الأشهر الأخيرة تحولًا لافتًا في مقاربته الدولية، مع بروز الحكومة السورية بوصفها الطرف الأساسي في إدارة هذا الملف، مقابل تراجع تدريجي في الدور الذي لعبته قوات سوريا الديمقراطية “قسد” لسنوات باعتبارها الشريك المحلي الأبرز للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

وخلال مرحلة الصراع السابقة، شكّل قتال تنظيم “داعش” وإدارة سجونه ومخيماته الركيزة الأساسية لشرعية “قسد” السياسية والعسكرية، ومنحها موقعًا متقدمًا في المعادلة السورية، مكّنها من نسج علاقة مباشرة مع واشنطن والتحالف الدولي. إلا أن هذا الواقع بدأ يشهد تغيرًا متسارعًا، مع إعادة تموضع أميركي واضح في الملف السوري، يتجه هذه المرة نحو دمشق بدلًا من شمال شرقي البلاد.

وتعكس التطورات الميدانية والسياسية الأخيرة هذا التحول، لا سيما بعد رفع العقوبات المفروضة على سوريا، وانضمام الحكومة السورية رسميًا إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش”، إلى جانب توليها أدوارًا مباشرة في إدارة ملفات كانت حتى وقت قريب محصورة بيد “قسد”، وعلى رأسها العمليات الأمنية والعسكرية ضد خلايا التنظيم.

ولم يعد هذا التحول محصورًا في الإطار السياسي أو التصريحات الدبلوماسية، بل تُرجم سريعًا إلى عمليات ميدانية مشتركة بين القوات الأميركية والجيش السوري، شملت مناطق متفرقة من البلاد، من ريف حلب إلى البادية السورية، مرورًا بريف دمشق. وشهدت هذه العمليات استخدام الإنزال الجوي، والضربات الدقيقة، وتدمير مستودعات أسلحة ومراكز لوجستية تابعة للتنظيم.

وتشير كثافة العمليات وتوسع نطاقها الجغرافي إلى أن التحالف الدولي بات يعتمد على دمشق بوصفها الشريك التنفيذي الأساسي في مواجهة التنظيم، في تحول غير مسبوق منذ بدء التدخل الدولي في سوريا. كما أن الإعلان العلني عن هذا التنسيق، والإشادة المتكررة به، يعكس رغبة أميركية واضحة في تثبيت هذا المسار بوصفه خيارًا استراتيجيًا وليس إجراءً مؤقتًا.

في المقابل، بدأت الحكومة السورية تتصدر المشهد الأمني المتعلق بمكافحة الإرهاب، وتؤدي أدوارًا كانت سابقًا تُسند إلى “قسد”، ما عزز موقعها باعتبارها الجهة السيادية القادرة على إدارة هذا الملف ضمن إطار دولة معترف بها دوليًا، وهو ما يمنحها أفضلية سياسية وقانونية مقارنة بالقوى غير الرسمية.

هذا الواقع الجديد يضع “قسد” أمام تحديات متزايدة، إذ لم يعد بإمكانها استخدام ملف مكافحة “داعش” كرافعة سياسية أو أداة تفاوضية مع الأطراف الدولية، في ظل انتقال مركز الثقل إلى دمشق. كما أن الدعوات المتكررة لدمج “قسد” ضمن بنية الجيش السوري الجديد تعكس توجهاً دولياً لإعادة ضبط المشهد الأمني، وإنهاء حالة التعدد العسكري خارج إطار الدولة.

وتشير معطيات إلى أن واشنطن تمارس ضغوطًا سياسية وأمنية لدفع “قسد” نحو تنسيق مباشر مع الحكومة السورية، بهدف سد الثغرات التي قد يستغلها تنظيم “داعش”، خصوصًا في المناطق المتداخلة أمنيًا، وفي ظل تعثر مسار المفاوضات حول الاندماج العسكري الكامل.

ويأتي هذا التوجه في سياق أوسع تسعى فيه الولايات المتحدة إلى التعامل مع جهة مركزية واحدة في ملف مكافحة الإرهاب، بما يضمن فعالية العمليات واستدامتها، ويحد من التناقضات الميدانية التي رافقت تعدد الشركاء خلال السنوات الماضية.

ورغم ذلك، لا تشير المعطيات إلى إقصاء كامل لـ“قسد” من المشهد الأمني، بقدر ما تعكس عملية إعادة توزيع للأدوار، تُبقي على وجودها ضمن إطار وظيفي محدود، وتحت مظلة تنسيقية أوسع تقودها الحكومة السورية، وبإشراف مباشر من التحالف الدولي.

ويُنظر إلى هذا التحول على أنه خطوة تهدف إلى ملء الفراغات الأمنية، ومنع عودة تنظيم “داعش” للاستفادة من حالة الانقسام أو ازدواجية السيطرة، خاصة في مرحلة ما بعد التغييرات السياسية والعسكرية التي شهدتها البلاد.

في المحصلة، يبدو أن ملف مكافحة تنظيم “داعش” في سوريا دخل مرحلة جديدة، عنوانها إعادة المركزية إلى دمشق، وتقليص الاعتماد على الفاعلين المحليين غير الرسميين. وهو تحول من شأنه أن يُعيد رسم ملامح التوازنات الأمنية والسياسية في شمال شرقي سوريا، ويفتح الباب أمام ترتيبات مختلفة قد تُنهي مرحلة كاملة من إدارة هذا الملف خارج مؤسسات الدولة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 3